المشهد الإقليمي بالتوقيت السوري- الإيراني… ثوابت ورسائل غير قابلة للتجيير والتحريف

تشرين – مها سلطان:
لأنها زيارة تثلج القلب.. تقوي العزائم.. وتضاعف مساحات التفاؤل، يترقبها السوريون منذ أسابيع، ويتلقفون أخبارها، وكل ما يتعلق بها، لا يتركون أي تفصيل مهما كان صغيراً، أو حتى مكرراً، أو معروفاً، إلّا ويُشبعُونه متابعة وتحليلاً.
كل زيارة، كل تحرك إقليمي، كل حدث، متعلق ببلدهم سورية، خصوصاً خلال الأشهر الأخيرة وحتى الآن، والمتركز بصورة أساسية في انفتاح عربي إقليمي على سورية.. كل ذلك يعزز ثقتهم بأن المرحلة المقبلة، ستكون مرحلة سورية «وحلفاءها» ليكون نصرها كاملاً عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.. فكيف إذا كان التحرك الإقليمي بحجم زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي يحل ضيفاً عزيزاً كريماً ليومين متتاليين، غداً وبعد غد، بجدول أعمال حافل، حسب المُقرر والمُعلن حتى الآن.
لا يمكن للسوريين إلّا أن يَحتفوا بزيارة رئيسي، ويُسعدهم كل هذا الاهتمام الإقليمي والدولي الكبير جداً الذي تستقطبه.. لا يلقون بالاً لذلك الضخ الذي يسعى إليه المغرضون لناحية وضع الزيارة في مسارات سلبية.. هم أكثر من يَعرف كم تحمل من الخير لبلادهم.. يبنون على ثقة متراكمة بقيادتهم التي تسعى في كل اتجاه لكل ما يعزز قوة سورية ويُوسع مسارات التعافي والنهوض على أسس السيادة والاستقلال والقرار الوطني في بناء التحالفات والعلاقات مع الدول وفي الانطلاق نحو قواعد المصالح المشتركة.
بعد 13 عاماً من الحرب الإرهابية المتوالية فصولاً من الإرهاب الاقتصادي «إلى جانب العسكري» لا شك في أن السوريين باتوا أكثر واقعية وعقلانية في قراءة التحركات الإقليمية من حولهم، وفي فهم الأحداث والمواقف والتصريحات، ولكن هذا لا يمنع من أن أحداثاً وتحركات بعينها لا بدّ أن تستقطب حالة عاطفية وجدانية لديهم، خصوصاً ما يتعلق بالحلفاء، إيران وروسيا بالدرجة الأولى. لقد كانت إيران والشعب الإيراني منذ اللحظة الأولى للحرب الإرهابية بداية عام 2011، على قلب واحد مع سورية وأهلها، ومازالت، فكيف يمكن لهم ألّا يشعروا بالامتنان والشكر لما قدمته إيران وشعبها وما تواصل تقديمه، ولما ستقدمه في المرحلة المقبلة.
* * * *
هذه النقطة الأخيرة، أي المرحلة المقبلة، هي التي تستقطب كل التركيز، وهو تركيز شديد يتجلى في الكم الكبير جداً من التحليلات والقراءات التي تحاول التوقع والتنبؤ بما يحمله الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي في زيارته لسورية، والقضايا التي سيتم طرحها على طاولة المباحثات بينه وبين السيد الرئيس بشار الأسد، هذا عدا عن جدول الأعمال الذي يبدو أنه حافل واستثنائي حسب التسريبات على مدى يومي الزيارة.
لا تخرج التحليلات والقراءات عن مدار القضايا التي هي معروفة للجميع، سواء على مستوى العلاقات الثنائية، أو على مستوى الإقليم وتطوراته الفارقة المستمرة منذ أشهر باتجاه ما يمكن أن يقلب وجه المنطقة في حال وصلت الاستدارات الإقليمية ومسارات التغيير التي تقودها قوى كبرى صاعدة كالصين على مستوى المنطقة ودولها.. إلى خواتيمها السعيدة.
من التقارب السوري- التركي، إلى الانفتاح العربي على سورية، والقمة العربية المرتقبة، إلى الاتفاق السعودي – الإيراني، إلى محور المقاومة والاعتداءات الإسرائيلية على سورية، إلى قضايا التنسيق السياسي والتعاون الاقتصادي.. كلها ستكون حاضرة، هذا أمر معروف للجميع، ولكن ماذا لو كانت الزيارة تحمل ما هو أوسع وأعمق، أو لنقل – حتى لا نتهم بالمغالاة – ماذا لو كانت الزيارة تحمل ما هو غير متوقع في تلك الملفات نفسها التي ذكرناها، إذ إن الزيارة في توقيتها، تحديداً، وفي مستواها، لن تكون زيارة عادية بالمطلق، بمعنى أنها ستركز فقط على التنسيق السياسي والاتفاقيات الاقتصادية، لا بدّ أنها تحمل الكثير، مما قد لا يُعلن في وقتها، وإنما قد تترجمه جملة تحركات في قادم الأيام.. رغم أن كل الملفات المذكورة آنفاً هي ملفات مهمة جداً وهي في قلب التنسيق السوري – الإيراني، خصوصاً أن هذه الملفات هي مدار التركيز والترقب والتي ستغير وجه المنطقة وتوجهاتها السياسية والاقتصادية، انطلاقاً من العلاقات البينية بين دولها.

ورغم أن السياسة والاقتصاد يكادان يقتسمان بالتساوي جدول أعمال الزيارة، إلّا أن التركيز ينصب على الاقتصاد، فهذا ما تحتاجه سورية لتدعيم قواعد الانتصارات العسكرية، واستكمال عملية تحرير ما تبقى من الأرض، والقيادة السورية تعلن أن النهوض الاقتصادي أولوية، وأن الاعتماد على الحلفاء كبير، ولأن زيارة رئيسي سبقها الكثير من التمهيد الاقتصادي الذي نسقته وفود إيرانية زارت سورية تباعاً خلال الفترة الماضية، فإن زيارة رئيسي من المتوقع لها أن تطلق فعلياً عملية إعادة الإعمار، بمستواها الإقليمي، بداية، لا بدّ أن تعود سورية إلى قوتها الاقتصادية، ولا بدّ أن تبدأ مرحلة التعافي وتنطلق بخطا اقتصادية قوية وثابتة، لقد حان الوقت، وهذا ما تسعى إليه إيران وسورية اليوم، فكلما كانت سورية قوية ، كان حلفاؤها كذلك، خصوصاً إيران، حليفها الأوثق في المنطقة.
* * * *
لنعيد التذكير هنا بآخر اجتماعات اللجنة الاقتصادية السورية الإيرانية في 25 نيسان الماضي بمشاركة السيد مهرداد بذرباش وزير الطرق وإعمار المدن في إيران، وممثلين عن الجانبين في قطاعات الاقتصاد والتجارة والإسكان والنفط والصناعة والكهرباء والنقل والتأمينات.
خرج عن هذه الاجتماعات سبع لجان تخصصية:
– الأولى معنية بالمصارف والشؤون المالية والتأمين.
– الثانية تختص بالشؤون الاستثمارية، الكهرباء وإنتاج الطاقة والخطوط الائتمانية.
– الثالثة تختص بملف النفط لدراسة مواضيع منها تصدير المواد البتروكيماوية، والاستثمار في الحقول المختلفة.
– الرابعة تركزت على ملف النقل
– الخامسة تختص ببحث الشؤون التجارية والصناعية وبناء المدن الصناعية، وقانون التمويل.
– السادسة تتعلق بالشؤون الزراعية.
السابعة تركز على الشؤون السياحية، ومنها السياحة الدينية.
وعليه فإن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي من المقرر أن يتم توقيعها ستكون شاملة لهذه الجوانب.
وإذا ما أخذنا بالحسبان تصريحات المسؤولين الإيرانيين بأن الزيارة «ستحقق إنجازات» ليس فقط لطهران ودمشق بل ستكون «حدثاً تستفيد منه دول أخرى في المنطقة» فإننا نستطيع أن نفهم لماذا هذه الزيارة تستقطب كل هذا التركيز والاهتمام إقليمياً ودولياً.. ولا شك أن القلق على جبهة الأعداء والخصوم سيكون في أوجه، في كيان العدو الإسرائيلي، وفي الولايات المتحدة الأميركية لن يكون هناك وقت لتنفس الصعداء خلال يومي الزيارة، وما بعدها سيكون هناك حديث أميركي/ إسرائيلي آخر.. باعتقادنا، وبحسب ما يُجمع عليه المراقبون والمحللون.
* * * *
بكل الأحوال، يمكن أن نرصد مبدئياً أهم النقاط أو العناوين أو الرسائل التي تغلف زيارة الرئيس رئيسي لسورية، هذا طبعاً ونحن نكتب قبل الزيارة.. أما بعدها فعلى الأكيد ستكون للتحليلات والقراءات أرضية أكثر متانة لناحية نتائج الزيارة وانعكاساتها ثنائياً وإقليمياً:
أولاً، تكرس الزيارة مفهوم التحالف بالاستعداد المشترك للمرحلة الدقيقة المقبلة والدخول معاً إلى المشهد المتغير في الإقليم بجانبيه الرئيسين: الانفتاح العربي على سورية، والانفتاح العربي على إيران.
ثانياً، التأكيد على أن إيران ستبقى مع سورية لمواجهة التحديات الاقتصادية كما واجها معاً تحديات الحرب والإرهاب، لذلك فإن العنوان الأبرز للمرحلة المقبلة سيكون كسر الحصار الاقتصادي الجائر ضد سورية والانطلاق نحو مرحلة إعادة الاعمار.
ثالثاً، الزيارة هي تقدير لسورية ومكانتها ودورها، وتأكيد أن العلاقات السورية الإيرانية هي علاقات شراكة استراتيجية متينة مستقرة وراسخة، رغم أنها تتواجد في قلب منطقة تغرق فوضى وتوترات واضطرابات.. وهذه العلاقات هي خارج المساومات والصفقات، وتزداد قوة كلما ازداد حجم التحديات.
رابعاً، التأكيد أن العلاقات السورية الإيرانية حاجة استراتيجية ليس فقط لسورية وإيران، بل للمنطقة، باعتبارهما في القلب منها، ولهما الدور الأكبر في تعزيز استقرارها، وعليه كلما كانت العلاقات السورية- الإيرانية «وتالياً العربية – الإيرانية» بخير، كانت المنطقة بخير وكانت الساحة العربية أكثر استقراراً، وأكثر استعداداً لدخول مرحلة المتغيرات الدولية الكبرى وحجز مكان بارز على خريطة العالم الجديد الذي يتشكل.

اقرأ أيضاً:

إيران- سورية.. تحالف استراتيجي يبني المرحلة الإقليمية المقبلة .. رئيسي في دمشق: زيارة الصديق لصديق صمد وصبر وانتصر في حرب إرهابية بغيضة

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
"الزراعة" تناقش الخطة الزراعية المقبلة: وضع رقم إحصائي ومراجعة بروتوكول إنتاج بذار القمح والترقيم الإلكتروني لقطيع الثروة الحيوانية برنامج ماجستير تأهيل وتخصص في التنمية المجتمعية بالتعاون بين الجامعة الافتراضية السورية ومؤسسة التميز التنموية إطلاق أول اجتماع لشرح آليات تنفيذ دليل التنمية الريفية المتكاملة في طرطوس وزارة الداخلية تنفي ما يتم تداوله حول حدوث حالات خطف لأشخاص في محلة الميدان بدمشق على خلفية مشكلة خدمة دفع الفواتير عبر الشركة السورية للمدفوعات.. "العقاري": السبب تقطع في خطوط الاتصال وتم الحل المشهد الأميركي- الانتخابي والسياسي- يتخذ مساراً تصاعدياً بعد محاولة اغتيال ترامب.. لماذا إقحام إيران؟.. بايدن يُمهد لانسحاب تكتيكي ويلمح إلى هاريس كـ«رئيسة رائعة» أول تجربة روسية للتحكم بالمسيرات عبر الأقمار الصناعية تربية دمشق استقبلت نحو 17 ألف اعتراض 42 ضابطة مائية في دمشق.. والمياه تسرح لغسيل السيارات وتبريد الشوارع! ضريبة التأخير.. غياب المجبول الإسفلتي يعرقل ويوقف تنفيذ «طريق حرير» مصياف -حمص