العنف في الدراما.. من المحظورات إلى أساسيّات الإثارة والتشويق
تشرين- سامر الشغري:
سألت الفنان النجم عابد فهد بعيد عرض مسلسل الزير سالم مطلع سنة 2001 عن سبب خلو هذا العمل من مشاهد لرؤوس مقطوعة أو أطراف مبتورة، ما دام المسلسل تناول حرباً استمرت زهاء أربعين سنة، فأجابني بالقول: «إن الدراما تدخل إلى المنازل حيث أغلب الجمهور من ربات البيوت و الأطفال، ويجب احترام أذواق هؤلاء، ولو كان العمل موجهاً للسينما لاختلف الأمر».
ولكن الجواب الحقيقي على سؤالي كان في العمل الذي تلاه بعد سنة «صقر قريش»، إذ شاهدنا مراراً عبد الرحمن الداخل ونظراءه من حكام ذلك العصر يتبادلون إهداء رؤوس خصومهم.
ولكن عالمياً، فإن كلام الفنان فهد صحيح إلى حد ما، فقد تأخر دخول العنف إلى الدراما عن مثيله في السينما، أولا لأن التلفزيون اختراع أحدث من الفن السابع، وثانياً لأن الدراما يشاهدها كل أفراد الأسرة، ولكن بعد ذلك دخل العنف من أوسع أبوابه إلى التلفزيون وخاصة في العقدين الأخيرين، كما في مسلسلي (بومبي) الذي يحكي عن حياة هذه المدينة وما فيها من خلاعة ومجون قبل أن يضربها البركان، و(سبارتكوس) عن ذلك العبد الذي يثور على روما، وهذا الأخير تضمن في أربعة مواسم الكثير من المشاهد العنيفة والمحتوى الجنسي القوي واللهجة البذيئة. غير أن ارتباط العنف بالإنسان سابق على السينما والتلفزيون، فهذا السلوك السلبي والحاد نزعة طبيعية في الإنسان في نظر عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد الذي وصف الإنسان بطبعه بالكائن العنيف والعدواني، أما الباحث العراقي جواد الزيدي فوجد أنه بالعودة إلى التاريخ وملاحمه الكبرى في بلاد الإغريق وبين النهرين سوف يصدمنا مقدار العنف فيها بالاقتتال والحروب والصراع مع الأرباب.
وبالعودة إلى الدراما السورية، فإن مستوى العنف أخذ يتحرك للأعلى ويبدل اتجاهاته، ومن اللافت أن هذه الدراما التي وجدت أن ما يطلق عليه الإرهاب الديني هو الذي يجسد العنف بأبشع صوره فقدمته بصورة مباشرة في أعمال مثل (أحقاد خفية، وما ملكت أيمانكم، وشوق،..) وسعت رؤيتها لاحقاً ليشمل مرتكبي العنف من شخصيات أخرى، كما وجدناه في (عناية مشددة، ومع وقف تنفيذ والجزء الأول من مقابلة مع السيد آدم.)..
وفي دراما هذا العام أخذ العنف مداه وتجاوز خطوطاً حمراء لم يكن يصل إليها سابقاً، فمشاهد القتل والحرق والضرب العنيف، فضلاً عن العنف اللفظي، لم تكن بالأمور المألوفة في درامانا، ولكنها أخذت مؤخراً تتكرر بكثرة ما يشي باتجاه جديد سيطر على الدراما يهدف لتحقيق أعلى درجات المشاهدة، ذلك أن العنف كما وصفه الباحث الجزائري جمال العيفة : «قيمة فنية مهمة جداً للإثارة و التشويق في أي عمل درامي».
ويسوق القائمون على هذه الأعمال حجتهم في تقديم العنف، أن وسائل التواصل والمنصات الرقمية توفر درجات عالية من القسوة والجريمة، وهي متاحة للجميع وأكثر من التلفزيون، فما المشكلة أن تعرض الدراما مشاهد عنف ولو بحدود، حتى تستطيع مجاراة هذا المد والبقاء في مضمار السباق.
والرد على ذلك أن التلفزيون هو من وسائل الاتصال الجماهيري ووسيلة إعلامية كما الصحف والمجلات والكتب، ولا يستطيع أن يقدم محتويات كالتي تعرضها صفحات الفيس بوك وأقنية اليوتيوب، ثم إذا قبلنا مستوى العنف في دراما رمضان 2023 ونظرنا إليه كحد أقصى، هل سيكتفي بمثله الجمهور في العام القادم، أم سيطلب جرعات أعلى ليشبع نهمه المتزايد إلى العنف، عندها ألن نجد أن مسلسلاتنا سوف تضاهي سينما الرعب الأمريكية التي لاتزال تحتفي بالقتلة المتسلسلين وبالأرواح الشريرة.