ريما الغفير.. في سويداء القلب يسكنُ العشقُ والوجع الجشع والعرفان
تشرين- راوية زاهر:
(مِسك)، ذلك ما اختارته الكاتبة ريما الغفيرعنواناً لروايتها الصّادرة عن «دار دلمون الجديدة»، بستة فصول موزعة على عناوين مستوحاة من عمق السرد الروائي.. عمل روائي حمل اسم بطلة الرواية، (مِسك) بما تكتنزه هذه المفردة من معنى وضوعٍ للرائحة العبقة والمكانة الراقية التي حملتها سيمات البطلة.
فهذا العمل الروائي قام على أدب المذكرات، تجلت في بداية الكتاب بـ( مذكرات مسك)، وفي الختام بـ(مذكرات أكمل).. والشخصيتان هما ركيزتا العمل الروائي القائم على علاقة عشق ربطت البطلين، لتتنامى الأحداث وتتطور بشكلٍ دراماتيكي، والرواية من النوع البسيط البعيد عن التعقيد الروائي، يقوم على شخصيّة محوريّة متمثلة بالبطلة ( مسك)، وعلاقتها بالمحيط، بينما حبيبها (أكمل) الحاضر الغائب، شخصية ثابتة، استُخدم كأداة لاستكمال استدراج مسك للوصول إلى ثروتها، فيخونه قلبه، وتسكن حشاشته.
إضافةً لشخصيات أخرى معينة متمثلة بـ (صبر)، صاحب الشكل الدميم والطبع الرقيق والطيب الخلق، وكان قد تزوج مسك في ظروفٍ خاصة. وشخصيات أخرى معوقة كصديقة (مسك) المدعوة (فدوى) العاشقة لأكمل والتي لا تمل من ملاحقته، حاقدة، هدّامة، وسلبية..
بينما (أهل أكمل وصبر): شخصيات ثانوية، بدت تحوك الحدث، بعضها جشع يلهث وراء المال ، وبعضها طيّب، ولكن يجمعها رغبة الحصول على كنزٍ دفين مفتاح لغزه (مسك).
الرواية أيضاً من النوع القصير والبسيط، زمنها متطاول، استمر من تاريخ الأجداد وصولاً إلى الأحفاد.
أما أمكنتها فمتعددة بين مصر ودمشق، وبعض الأمكنة المرتبطة بأسفار (أكمل).. الرواية كذلك تحمل بعداً عاطفيّاً متمثلاً بعلاقة الحب التي ربطت مسك بأكمل وعلاقة الزواج التي ربطت مسك بصبر (ابن عم أكمل)، والذي كان زواجها منه ردّ جميلٍ على كرمه وسخائه بالتخلي عن بضعة من جسده كرمى مسك من جراء تفجير كاد يودي بحياتها، وفي ظل غياب حبيبها وخطيبها المفترض (أكمل) لتتنامى الأحداث وتتعقد مثيرة التشويق والإثارة، إذ تفقد مسك زوجها بمرض عضال، ويبقى نار العشق مستعراً لأكمل، لتتكشف الحقائق في وصولها إلى غاية التعقيد، من خلال ترك مذكرات لأكمل تشرح القضية، وتجعل البطلة والقارئ على بينة بما حصل وسبب تخلي أكمل عن محبوبته في أحلك الظروف، وذلك بعد أن تنامى الصراع، وتناوبت الشخصيات، وتدفقت الأحداث لحل العقدة.
أما الحوار فقد حمل بعداً نفسياً مركزاً على انفعالات الشخصية، وتحليل مشاعرها الوجدانية، سواء المتمثلة بالطيبة عند مسك الغارقة بهمومها وشكوكها وخوفها، والتي تميل إلى المونولوج بشكلٍ واضح على اعتبار أن عشقها لأكمل إن صُرح به يصير ضرباً من الخيانة، فآثرته في سرائرها فقط:
(حاولتُ مراراً وتكراراً أن أثنيَ قلبي عن التمرّد والهتاف باسم أكمل بين الفينة والأخرى، ولكنه أبى إلا أن يعلن انتفاضته، فكبّلته بالأغلال وأحكمت قيده حتى ينيب، أو يهلك نفسي دون مراميه).
أو والد صبر الذي لا همّ عنده غير سرقة الذهب في قصر مسك المشترك بالملكية معهم، والذي قاده بسبب رصده بالأفاعي إلى حتفه.
الرواية كما أسلفنا من النوع البسيط، تضمنت العديد من الشخصيات التي لها أحاسيسها واندفاعاتها ودواخلها التي تميزها فيما بينها، والراوي في هذا النتاج الأدبي هو (الكاتبة) راوية محايدة على بيّنة بالأحداث وما يدور في خلجات الشخصيات وعوالمها بدقة..
بينما جاءت اللغة عالية العاطفة، رومانسية، معجمها اللغوي يميل إلى عوالم الحب والزهور والبنفسج، فيها يتضح الانزياح اللغوي الذي يخدم مرامي.. الفكرة، والوصف الباذخ للأمكنة، إذ بدت اللغة مترفة، بهية الحضور بمجازها اللطيف الذي يعود إلى تلك العلاقة الخاصة التي تربط مسك بحواري الشام، وما حمل السرد جماليةً خاصة هو تلك الحالة من التعاطف التي أثيرت في نفس القارئ تجاه شخصيات العمل، لتنتهي الحكاية بتخلص مسك من أرقها وتعبها، بعد فك رصد الذهب وتوزيعه على الفقراء، وتحويل الجناح الأبهى منه إلى مكتبة ضخمة تخدم بها الإنسانية وتكمل مشروعها الخاص بإنسانيتها وطموحها ومايلبي تطلعاتها لقادمات الأيام..