تغيّر في صيرورة الحدث الفنيّ بعد الانطلاقة المبشّرة لعاصي الزند
تشرين- ميسون شباني:
إذا غصن المحبة مال فيكي..
تدفع دم قلبي مال فيكي..
وحاج تعذّبيني مالي فيكي..
سواها نظرة يتيم على البواب..
عندما سمعتها للمرة الأولى وقفت مشدوهة للحظات.. كلمات تشعر أن الإنصات إليها لا يكفي، تجعلك متعطشاً للمزيد من نغمٍ افتقدناه.. صوت يدخل بعذوبة وسلاسة ويستقر في أرواحنا العطشى الباحثة عن لحظات ملؤها الحب والدفء ..
أغنية نجح في استثمار مساحتها المخرج سامر البرقاوي بوضعها تتراً لمسلسل «الزند» ذئب العاصي، وكانت مفتاحاً للدخول إلى عالمٍ جديد كتب تفاصيله بعناية الكاتب عمرو أبو سعدة.
من السخرية إلى الجدية
للوهلة الأولى البداية كانت شائقة ..أحداث متلاحقة رسمها بعناية الفنان تيم حسن جعلنا نستذكر معه شيئاً من بطولات «عكاش» في مسلسل «الثريا» إحدى ملاحم البطولات الفردية النضالية ضد المحتل العثماني والتي صيغت ببراعة درامية وبمشهدية أقرب للتحفة الفنية، وعرضها التلفزيون العربي السوري عام 1997..الفارق هنا هو مكان الحدث الدرامي، وهو إحدى القرى المطلة على ضفاف العاصي.
السيطرة المحكمة للمشهد الفني فرضها البرقاوي بحنكة عبر حركة الكاميرا الخاضعة لصيرورة الحدث الدرامي، ولاننكر تصدّر اللهجة المحكية لبطولة العمل والتي أثارت فضول الكثير من المشاهدين، وحققت مشاهدات بلغت نحو 250 مليون مشاهدة في أولى حلقاته، لهجة استخدمت سابقاً عبر السينما في فيلم «رسائل شفهية» للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد، ورغم بساطة القصة فإن عامل نجاح الفيلم كان اللهجة الساحلية، وهو ما استثمره الفنان حسن بنجاح، وكان الورقة الرابحة له عبر شخصية عاصي، إذ استطاع إخراجها من مزاج الفكاهة والسخرية التي عرفت به في بعض الأعمال، ونسج معه كاركتراً جديداً من ناحية الشكل دفع الكثير من الشبان إلى تقليد قصة شعره واستخدام لهجته وبعض مفرداته بعد نجاحه في الخروج من عباءة «جبل» ابن الهيبة.
إسفاف غير مسوّغ!!
لكن مع تطور الحدث الدرامي بدأ العمل يأخذ منحنىً جديداً من جهة استحضار مفردات يمكن وصفها بالقاعية، من دون وجود مسوّغ درامي لوجودها فهل كانت عاملاً منكهاً لإضافة المزيد من الجذب والمتابعة؟؟
وما يجعلنا نتساءل هل مفردات السباب والشتائم وإقحامها ضمن البنية السردية للحوارات بين الشخصيات تليق بمنتج درامي راهن عليه الكثيرون، وهل الغاية ملء الفراغات الحوارية بتلك الألفاظ المستفزة والتي قلما نسمعها في الشارع، وهل هي فعلاً من سياق الأحداث ؟ أم هي من اجتهادات البطل ؟ لا يوجد ما يستدعي أن يكون الحوار بهذا المستوى من الانحطاط خاصة مع تبني الكثير من الشباب لمفردات عاصي الذي يعدّ أمثولة لشريحة كبيرة من الشباب الذين استخدموا مصطلحاته التريندية الشهيرة في الحياة العامة عند عرض مسلسل «الهيبة » وارتبطت بشخصية جبل لكن المختلف هنا هو الابتذال المصطنع غير المسوّغ .
بصمات مهمّة
لاننكر أن العمل سجل نقاطاً مهمة عززت من جماليته عبر تصدّر بعض الوجوه الشابة الذين قدموا أدوارهم كنجوم محترفين، فالباشا «أنس طيارة» شخصية مستفزة نجح بمناورة فنية عالية في استنهاض المشاهد وخلق حالة من الاستنفار النفسي ضد مايقوم به، فهو الندّ الشرس لعاصي ومحرك أحداث العمل، فرض وجوده منذ مشهده الأول، وبتصاعدية لافتة خلق حالة من التشويق، ربما هي المرة الأولى التي يتم تقديم شخصية «الباشا» كشخص فتي مثقف بعيد عن النمط المعتاد الذي قدم في الدراما السورية، لكن بعد مرور أكثر من عشر حلقات بدأنا نشعر بأننا ندور في فلك الشخوص في بطء رتيب أفقد العمل جزءاً من بريق انطلاقته، من دون أن ننكر الوهج الجميل الذي خلقه الفنان فايز قزق الأستاذ كما يصفه الكثيرون بحضوره الشرس واللطيف في آن، فتراه مسكوناً بهاجس شخصيته التي يؤديها، وأعاد لنا بجديته وظرافته الأداء الهوليوودي الخلّاق الذي يرسم معالمه في كل دور يقدمه ..
مازلنا في انتظار ما سيحدث، وننتظر تطور حضور بعض الشخصيات من جهة الأداء، ترى هل سنشهد تغيراً في ملمح العمل؟!.. هذا ماسترسمه الأحداث القادمة.