الناس أجناس
تشرين – د.رحيم هادي الشمخي:
متعتي الكبرى في هذه الحياة أن أعرف الناس لأنهم أجناس، إن أعرفهم من الخارج والداخل، أن أدرسهم وأحبهم، أحببت الكثيرين ولم أكره أحداً، كنت أعامل الذين يكرهونني كأنهم مرضى وأدعو لهم بالشفاء، وكنت أعطي عذري للطبيعة البشرية، وأعذر الفاشل الذي يحقد على الناجح، وأعذر الضعيف الذي يكره القوي، وعرفت أقزاماً كالعمالقة وعمالقة كالأقزام، وعرفت أقواماً طوالاً عراضاً من خارجهم وصغاراً متضائلين من داخلهم.
عاشرت الصعاليك وعرفت صعاليك لهم أطباع الملوك، وعاشرت الفاشلين في جحورهم ومغاورهم وحفرهم، ورأيت مواكب النصر تحفها الطبول والهتافات والزغاريد، وشهدت مآتم الهزيمة في أمتي تنهمر منها الدموع وعبارات الندم وأصوات البكاء والعويل، واكتشفت مع الأيام أن بعض الناس في داخلهم يختلفون كثيراً عما في خارجهم، أثوابهم موشّاة بالقصب ومطرزة بالماس والياقوت، وجلودهم محفور عليها الحقد والضغينة والحسد والرغبة في الانتقام، لكن هؤلاء قلّة، فالأغلبية الساحقة من الناس طيبون، يقفون معك في الشدة، ويسندونك في المحنة، ويعطفون عليك في الأزمة، وتنشق الأرض فتجدهم حولك، كباراً في صمودهم، لا يحملون سياطاً يضربون بها شعوبهم ولا سيوفاً يحاربون بها، ولا مدافع يطلقون منها قذائفهم، ولكنهم يحملون قلوباً كالقلاع لا تسقط أبداً، ولهم ألسنة حادة كالسيوف يقطعون بها رؤوس الطغاة والبغاة والمتطرفين في الوطن العربي، ورأيت في قاع المدينة – كل مدينة عربية- نبلاً وإيماناً وصموداً وشجاعة وجرأة ومروءة لم أرَ مثلها في قمة المدينة، ورأيت أبطالاً وعباقرة ووجدتهم أشبه بالجبال الشامخة، وصعدت على قمم لأجد أنهم وصلوا إليها بإيمانهم وكدّهم وعرقهم وجهدهم.
هؤلاء ناس من وطني وعروبتي، لا أريد أن أشخّصهم، إنهم كثيرون في كل مجالات الحياة، يحبون وطنهم حدّ العظم.. هكذا هم الناس؛ أجناس.