مَهّد لها “ضيعة ضايعة”… لهجة مسلسل “الزند” الثالثة في الإنتاج الدرامي السوري 

تشرين-لبنى شاكر: 

لا يزال السؤال عن اللهجة التي يتكلّم بها الفنان تيم حسن في مسلسل “الزند…ذئب العاصي”، للكاتب عمر أبو سعدة والمخرج سامر البرقاوي، مُثيراً لنقاشاتٍ واسعة، تبدأ بتحديد المنطقة الأصل لها، وتتشعّب نحو عدّ اللهجة هويةً وعلامةً فارقة لأصحابها، وعلى أي حال يبدو أن ما مهّد له مسلسل “ضيعة ضايعة”، للمؤلف ممدوح حمادة والمخرج الليث حجو، أصبح حقيقة؛ لهجةٌ ثالثة تحجز لنفسها مكاناً في المشهد الدرامي السوري، بعد أن كانت اللهجة السورية البيضاء، السائدة في دمشق وبعض أريافها، سمةً لمعظم الإنتاج التلفزيوني، إلى جانب الحلبية ضمن حيّزٍ محدود، ولا يعني هذا بالطبع إنّ اللهجة الساحلية كانت مُغيّبةً بالمطلق، لكنها بالمقابل لم تكن حاضرة، كما لم تكن مُنافِسة تبعاً لذهنية الدراميين طوال زمنٍ طويل، ولذلك أسبابٌ عديدة، تبدأ من النصوص ولا تنتهي بآلية التسويق، ولا سيما إذا كان الجمهور المُستهدَف خارج نطاق المحليّة، بمعنى هل سيجد الإغراق في بيئةٍ داخلية قبولاً واهتماماً لدى المُتابعين؟.

عام 2008 قدّم “ضيعة ضايعة” لهجةً من اللهجات الساحلية، كدعامةٍ رئيسة للمسلسل، لا مُجرّد إضافة أو ضرورة درامية، مُؤكداً أن العمل الفني المشغول بعناية، تُوازي بين التفاصيل والأحداث الجوهرية، يستطيع تجاوز حاجز اللغة، بل يُمكن له استثمارها لتكون ورقة نجاح، وكما يذكر جمهور العمل المُتجدد عاماً بعد عام، كيف تحايل صنّاعه على فكرة الجهل باللهجة وصعوبة فهم عددٍ من كلماتها وألفاظها حتى من الجمهور السوري نفسه، فترجموها إلى العربية الفصحى، وهي سابقة إنّ صح الكلام، في درامانا، ومن ثم نجحوا في لفت الأنظار ثانيةً إلى اللهجة في الجزء الثاني من العمل مع شخصية المهرّب أبو شملة، والتي أدّاها ببراعة الفنان محمد حداقي، إشارةً إلى اختلاف موسيقا الأحرف بين الضيع والمناطق الصغيرة رغم تقاربها ومحدودية عدد سكانها “أم الطنافس الفوقا وتخريمة الفوقا”.

البحث في اللهجات التي قدمتها الدراما، لا يبتعد في كثيرٍ من جزئياته عن التنميط وتعميم النماذج السلبية، هذا في حال كان بريئاً من الإساءة لشرائح ومناطق ومهنٍ عديدة، وفي حالة “الزند” العمل الذي يحظى بمساحة كبيرة من الأخذ والرد، تكتسب اللهجة صفة الجدّة في عملٍ دراميٍ سوري، يستحضر في موسم العرض وبإنتاجٍ ضخم وعلى محطةٍ تستقطب جمهوراً عريضاً، جزءاً من خصوصيته ومحليته، مُتكئاً على نجمٍ يتمتع بشعبية عربية، وهو تحوّلٌ لم نشهده في المُنتج الدرامي منذ أعوام، بموازاة أعمال الدراما المشتركة التي تجاهلت اللهجات إلى درجةٍ غير مفهومة، حتى ضمت العائلة الواحدة ثلاث وأربع لهجات “سوريّة، لبنانية، مصرية”، من دون أي مبرراتٍ درامية، في حين أن التعاطي المحلي مع العمل يتباين مع تصاعد الأحداث وزوايا الرؤية، فالبعض يرى في تحديد منطقةٍ معينة تعود إليها اللهجة ضرورةً للحُكم على الأحداث، رغم أنها ليست واحدة على الألسنة أو لنقل تختلف درجة إتقانها بين ممثلٍ وآخر، عدا عن ادعاءاتٍ بأنها خليطٌ من عدة لهجات، تتخللها مفرداتٌ مُضافة، ربما كانت اجتهاداً من الكاتب أو بطل العمل، لكن ما يجب الإشارة إليه هنا هو أن العمل لا يقدّم نفسه كوثائقي بقدر ما هو حكاية مُستنبطة من زمانٍ ومكانٍ مُحددين.

في السياق ذاته، يُصر آخرون على تحميل اللهجة ما لا تحتمل، عادّين إياها رمزاً مُقدساً، رغم أن الاتكاء عليها وحدها لا يكفي، لتكون عنواناً أو دلالةً على فكرٍ وسلوكٍ وآلية تعاطٍ مع الآخر تنتهجه منطقةٌ أو مجموعة، ويغيب عن هؤلاء أن اللهجات لا تبقى على حالها، بل إنّ ما يطرأ عليها من تبدلاتٍ يصعب حصره، من ذلك مثلاً تباينها بين جيلٍ وثانٍ، أحياناً بين الأبوين والأبناء، لأسباب السفر والدراسة والاحتكاك بأبناء مناطق أخرى، والحاجة تالياً لتطويع كلماتٍ وعباراتٍ وأساليب تعبير، ناهيك بالظروف التاريخية والسياسية التي تحكم توزع السكان وظروف معيشتهم، وما يرتبط بالجذر الذي انبثقت منه اللهجات، والفروع المرتبطة بها، وما يختفي من كلماتٍ ومصطلحاتٍ باختفاء الحاجة إليها، إلى جانب ما يستجد باستمرار، فكيف إذا بحثنا في الفروقات الفردية لأصحاب اللكنة الواحدة.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا