المزاح الثقيل.. سخرية زائدة تولد العداوة والجفاء
تشرين – نور حمادة
ينتشر المزاح بين أغلب الناس، وخاصة جيل الشباب، مبررين الغاية منه هي الملاطفة والمؤانسة اللتين تضفيان على الأجواء نوعاً من المرح، وتدخلان إلى القلوب روح النكتة، وتخففان الضغوط والأعباء التي تزيد من حدة الشعور بالضيق والتوتر أثناء اليوم، وقد يكون ذلك بإلقاء بعض الكلمات أو بأداء فعل أو مقلب بقصد الضحك.
وبغض النظر عن صحة نظريتهم، إلّا أنّ المزاح يجلب العديد من المشكلات والخلافات التي تكون عواقبها وخيمة، بسبب اختلاف الشخصيات والطباع، ومدى تقبلهم هذه الأفعال، التي تكون جارحة ومؤذية للطرف الآخر، ويعدّها خفة عقل وابتعاداً عن الاتزان والجدية.
وبرأي علاء 25 عاماً أن المزاح وسيلة لتحسين الحالة النفسية، والابتعاد عن العديد من الأمراض، مثل الاكتئاب والقلق، وسلاح فعال للتخلص من الضغط العصبي، ولطرد الملل خاصة في المجالس الشبابية والحفلات، وعند ملاقاة صديق فلا مانع من مزحة خفيفة أو نكتة لطيفة تدخل الفرح إلى قلبه شرط أن يكون بحدود لا تسبب إزعاجاً أو أذيّة له.
أما يوسف 28 عاماً فيرى أن تقبل المزاح يختلف من شخص إلى آخر حسب النفس البشرية، فهناك من يحب أن تكون الجلسة رسمية مع الجميع، والبعض الآخر يتقبل المزاح في كل الأوقات، وهناك من يجد أن في المزاح تمادياً وإساءة، فيختلق مشكلة قد تصل إلى المخاصمة والقطيعة، لذلك علينا أولاً دراسة نفسية الشخص إن كانت تساعد أن تمزح معه.
وتتابع رانيا 43 عاماً: إنّ المزاح سلاح ذو حدين، ومن وجهة نظرها لابدّ للإنسان من المزاح، لكن بحدود ووقت معين، وليس باستمرار، لأن كثيراً من المشكلات بين الأصدقاء، حتى بين الإخوة والأهل، تحدث من جراء تجاوز المزاح حدوده، كأن يتلفظ بألفاظ غير محببة ومحرجة، أو يستخدم يده تحت مسمى المزاح، وهذا في رأيها يصبح ثقل دم وقلة حياء.
اختصاصي اجتماعي: إذا تجاوزنا الخطوط الحمراء بمزاحنا فيصبح وسيلة للسخرية وإيذاء المشاعر
يذهب الهيبة
من المنطقي والأكثر أهمية ألا يكون الإنسان مكرساً حياته للمزاح، وبرأي الاختصاصي الاجتماعي غسان البيروتي أن بعض الناس يعيشون في حياة كلها مزاح، وهو أمر في حدّ ذاته مذهب للهيبة ومقلل الاحترام، من دون اعتبار أن للعالم حقاً، وللكبير تقديره وللأصدقاء احترامهم وللأهل توقيرهم، ويجب أن نضع نصب أعيننا أن كل شيء زاد على حده انقلب ضده، وإذا تجاوزنا الخطوط الحمراء بمزاحنا فيصبح وسيلة للسخرية وإيذاء المشاعر، وتوجيه الكلمات الجارحة والتمادي عليهم بالضرب مثلاً، حيث لم يعد شيئاً لطيفاً ومحبباً ووسيلة للترفيه، بل فتح الباب أمام الكثير من الخلافات والمشكلات وإثارة البغضاء فيما بينهم.
يولد النفور
إن المزاح الثقيل والمبالغ به يضعنا أمام خيار خسارة أصدقائنا وأحبابنا بطريقة نظنها كما يقال (خفّة دم)، لكنها في الحقيقة تولّد النفور والضغينة.
ويتابع البيروتي: من العادات السيئة التي تسود في مجتمعنا، وتؤدي إلى كوارث اجتماعية قد لا نلتمس أبعادها المؤلمة، إلّا بعد وقوعها وهي كذبة الأول من نيسان، وهو تقليد لإطلاق الشائعات والأكاذيب الملفقة، بحجة أنها مزحة متجاهلين أن العديد من الناس الذين وقعوا في شباكها أصابتهم مصائب جمّة أودت بحياتهم إلى الهلاك.
ومن وجهة نظر البيروتي فإن من يكثر من المزاح ويأخذ جميع أموره بالسخرية واللامبالاة هو على الأغلب شخص غير جدّي ومستهتر ولا يمكن الاعتماد عليه دائماً وسيفقد احترام الآخرين له.
وأخيراً نجد أن المزاح من الأمور الضرورية في الحياة، لكن من دون أن نكسر الحواجز تجنباً لإثارة الخلافات والإزعاجات، وأن نمازح الآخرين بأسلوب راق ومحبب، يرسم الابتسامة على وجوههم، وأن نبتعد عن أسلوب التجريح الذي يزرع في النفس الحقد والكراهية، وكما يقول المثل اللاتيني: «من الأفضل أن تثير الضحك من أن تثير الاشمئزاز».