مسلسل “النار بالنار” هل سيجسّد رسالة أغنية “شارته”؟!!
تشرين-نضال بشارة:
يثير التفاعل عبر صفحات التواصل الاجتماعي مع مسلسل “النار بالنار” إشارات عدة، ليس بالضرورة أن نحسبه لصالح المسلسل، رغم تقديرنا لكل الجهد المبذول فيه، بدءاً من كتابة النص لصاحبه رامي كوسا، مروراً بورشة الكتابة التي كتبت الحوار، العائدة لشركة الصبّاح، المنتجة للمسلسل، وبجهد فريق التمثيل، وإدارة المخرج محمد عبد العزيز، وانتهاءً بالفريق الفني. ففي ظل “ردح” بعض أصحاب صفحات التواصل على الموضوع ذاته المتجسد بمشهد تجلي السلوك العنصري الذي علّق فيه “عزيز/ جورج خباز” لافتة كتب فيها ( ممنوع تجوّل السوريون بعد الساعة الثامنة مساءً) ليصطدم عقب ذلك مع شخصية ” مريم/ كاريس بشار” بحوارٍ اختزل، ربما، أساس هذا الاحتقان، ولتختتم صدامها معه بأن صححت له أنه كان من المفترض أن يكتب كلمة (السوريون) على النحو التالي (السوريين) وهي تهزأ منه لجهله باللغة وقواعدها. ولم يكن عزيز قد وصل إلى هذا القدر من العنصرية التي لم يوافقه عليها أغلب سكان الشارع من اللبنانيين، نتيجة فقدانه والده في الحرب الأهلية فقط، بل تفاقم قهره من سلوك (شايلوك) المسلسل “عمران/ عابد فهد” وهو سوري يحمل الجنسية اللبنانية أيضاً، الذي أراد تخليصه البيانو الذي هو مصدر عيش عزيز لقاء مبلغ قدمه له ديناً مقابل رهن البيانو إلى حين السداد، ولأنه تأخر بسبب وفاة والدته، تخابث عمران وأراد أن يبيع البيانو، ما جعل عزيز يغضب ويتهجم عليه، فادّعى عمران عليه كذباً أن يده كُسِرت من جراء ذلك الاعتداء فأوقف الدرك (عزيز) في السجن.
إهمال العنوان !
ونرى أنه في ظل ذلك “الردح” لبعض صفحات التواصل الاجتماعي، بنقل المشهد الحواري مبتوراً عن أساسه، يضر بالعمل ولا يخدمه، لأن المسلسل يسلط الضوء على مسألة مهمة لكنها ليست جديدة، مستمدة من وقائع حقيقية حدثت كثيراً خلال السنوات العشر الأخيرة، لكن لم يكن التعاطف معها بالقدر الذي تعاطفوا به اليوم مع مشهد في المسلسل الذي يرصد حال السوريين واللبنانيين في شارع واحد، والضغوطات التي يئنون تحت وطأتها، اقتصادياً واجتماعياً. وربما لو تم الانتباه لعنوان المسلسل لكان ذلك الصدام بين الشخصيات اللبنانية والسورية أمراً يتوافق معه!
بيئة شامية معاصرة
المتأمل في بنية المسلسل المكانية والدرامية، يلاحظ عدم اختلافه عن بنية أي مسلسل من مسلسلات “البيئة الشامية”، فمعظم أحداثه وحركة شخصياته وصراعها، تجري في شارع واحد وليس حياً يضم أكثر من شارع، وثمة شخص أساس هو مرجع أو السند لكل ما يصيب الشخصيات سواء بالسوء أو بالمساعدة المأجورة طبعاً، وهي شخصية المرابي عمران، تقابل شخصية الزعيم أو عقيد الحارة، حتى إننا نشاهد في هذا الشارع حلّاقاً وهو المختار ويقدم خدمات أخرى، كما في الشارع مقهى ومخفر أيضاً.
والمسلسل يشكو من عدم رشاقة مشاهده وأحداثه وحواراته، رغم أننا أحببنا شخصياته وأداء فريق التمثيل، لكن حتى الحلقة التاسعة لم يوضح لنا الكاتب سبب إدمان الصحفي” جميل/ طارق تميم” للعب الميسر، وهجره لفكره وقيمه ومبادئ اليسار الماركسي، رغم أننا نعرف أن الذين صدموا بفشل مشروع إقامة مجتمع اشتراكي قائم على العدالة الاجتماعية أكثر من أن يحصوا، فلماذا هذا الجميل مضى للعب الميسر، وتالياً لم نقتنع بأسباب الشجار الدائم بينه وبين زوجته ” قمر/ ساشا دحدوح”! كما لم يوضح لنا، مثل معظم كتّاب الدراما، لماذا توجهت شخصية ” زكريا/طوني عيسى” للتنظّيم بجماعة إرهابية مغلّفة بالدين، ولعلّه يفعل ذلك في حلقات قادمة، لنرى ما قد يكشفه، فحتى الآن ليس ثمة كشفٌ ما، فكل ما شاهدناه نعرفه.
رسالة مهمة
ولعلّ رسالة المسلسل تكتمل بأحداث قادمة تندغم مع ما تقدمه أغنية الشارة ” بدل ماضي” بصوت النجمة “رحمة رياض” كلمات ” مازن ضاهر” ألحان ” فضل سليمان” إذ تقول في موضع منها ” وحدو الحب يلي بيشفينا/ من الكره يلي عايش فينا/ وحدا الدنيا اللي بتحاسبنا/ بتاخد ع ذوقا وتعطينا….”. لكننا لا نستطيع رغم الملاحظات السابقة إلاّ أن نشير إلى الأداء المتقن من قبل فريق التمثيل لشخصياتهم، وإلى هذه البطولة الجماعية التي ينتمي إليها المسلسل الذي قدم بعض الممثلين بشخصيات مختلفة وبعضهم لأول مرة نشاهد حضوره مثل ساشا دحدح، وطارق تميم الذي اعتدنا مشاهدته في اسكتشات كوميدية رغم أنه من البارعين في الأداء، فقدما ثنائياً متقناً وممتعاً، ولا نغفل عن مشاركة الموسيقي والممثل أحمد قعبور، والممثلة زينة مكّي التي تزداد خبرتها مع كل مسلسل وتؤكد أنها تعد بالكثير.
خارج التغطية
لكن يلاحظ أن المخرج محمد عبد العزيز لم يستطع إدارة الممثل “جمال العلي” الذي نشاهده في أداء مكرر، خاصة في أداء الشخصيات الشعبية، فتارة يغني ويرقص ويحكي بأكثر من لهجة ويغلب عليها لهجة بدوية، من دون أن نعرف السبب، وهذا ليس صواباً في الأداء، والتصويب من مهام المخرج الذي غفل عنه، ربما بسبب انشغاله باللقطات المأخوذة بـ “الدرون” من دون أي مسوغات
درامية، سواء في بداية بعض الحلقات أو خلالها، وحذفها لن يصيب المسلسل بأي خلل درامي. ولا بدّ للمتابع المدقق لأعمال عبد العزيز من أن يستغرب استعادة مشاهد من أعمال سابقة له، فالمشهد الذي تم فيه حرق الكتب الماركسية ذات الأغلفة الحمراء على يد شخصية “زكريا/ طوني عيسى” بعد أن اشتراها من “جميل”، هو ذاته في مسلسل “ترجمان الأشواق” الذي عرض عام 2019 ولقد حرقتهم “أم نجيب/ ثناء دبسي” خوفاً أن تتسبب الكتب باعتقال ابنها ” نجيب/ عباس النوري” مرة ثانية. تماماً كما كان قد استعاد في مسلسله ” شارع شيكاغو” عام 2020 مشاهد تخص دار السينما من فيلمه “حرائق” 2016 ! ولذلك نبرّئ كاتب ” النار بالنار” من هذا المشهد غير الموظف درامياً أو مسوّغاً. ونختتم كلامنا بأمنية ألّا يخيب ظننا في المسلسل، في أن تغتني حلقاته القادمة بالأحداث الشائقة والكاشفة.