“النار بالنار” محمد عبد العزيز وتقديم الـ”بان أراب” بطريقة مُغايرة

تشرين-علي الرّاعي:
بعد مرور أكثر من عشرة أيام على موسم الدراما لهذه السنة، وعرض أكثر من عشر حلقات من كلِّ مسلسل؛ نستطيع أن نقول – مطمئنين – إنّ الدراما السورية عادت إلى سكة نجاحاتها شبه سالمة، وأظنُّ – وهذه وجهة نظر شخصية بالتأكيد- إنه يكفي هذا الموسم وجود مسلسلي (الزند، والنار بالنار)، لنصل إلى هذا الاطمئنان..
وكنتُ خصصت مقالاً قصيراً، للحديث عن مسلسل (الزند) بعد مرور خمس حلقات، رغم أن الحلقات الخمس التالية تشي برسائل غريبة، ومريبة، سنتحدث عنها مع انتهاء عرض حلقات المسلسل، وهنا سأخصُّ مسلسل (النار بالنار)، بهذه القراءة الأولية..
فهنا ثمة عينٌ لمخرجٍ، استطاعتْ أنْ تُخلّصَ المشهدَ التلفزيوني مما لحق به من (ثرثرة)، فمن جهتي أنا مع الرأي الذي يقول: “يبدأُ الحوارُ عندما تعجزُ الكاميرا”.. بمعنى التخفيف ما أمكن من (اللغو)، لصالح الصورة، وهذا ما كان متوافراً بكرمٍ جمالي في المسلسلين: الزند، والنار بالنار.. رغم اختلاف الحلول الإخراجية في كلا العملين، الأول الذي أعطى فخامة هذه الصورة المفتوحة على الطبيعة، وفي أوقاتٍ متعددة: ليل، صباح، مغيب..، وأماكن مختلفة ومتعددة أيضاً.. بينما في مسلسل (النار بالنار)، سيناريو رامي كوسا، وإخراج محمد عبد العزيز، فسيختار صُناعه (حياً) بيروتياً، في العاصمة اللبنانية.. حياً لن يكون بعيداً عن سورية، وإنما تجري فيه كل أصداء الحدث السوري.. فكلُّ المحنة السورية تتجسدُ بذلك الحي الذي ستدورُ فيه كل حكايا المسلسل بما هو قريب إلى حدٍّ ما من “السيت كوك”، وإن كان هنا مفتوحاً أكثر على حي بكامل تنويعاته على صعيد الشخصيات، أو على مستوى الحكايات.. هنا ولأول مرة – ربما- ستتخلصُ دراما الـ(بان أراب) كما أطلق عليها ذات حين على المسلسلات العربية المشتركة مما لحق بها من “سياحية رومانسية” مُنفرة تعتمدُ على (الموديل) اللبناني “عارضة الأزياء” التي تُلقي حوارها “مُلقناً” كمن يُسمّعُ نصّاً حفظياً لطالب، تنطقه خالياً من المشاعر كدمى أو رجل آلي، هذه السياحية التي انتقلت إلى الدراما المشتركة، أو هي حاكت مسلسلات مُدبلجة ولاسيما التركية منها، لدرجة كنتُ أشعر أنّ معتصم النهار أمسى “تركياً” صرفاً في أدائه لزمن بدا طويلاً.. هنا في (النار بالنار)، أصبحت الشخصيات من لحمٍ ودم، لديها وجعها الكامل من دون ادعاء التمثيل..
وهنا ستبدو المحنة بين البلدين – سورية ولبنان- هي عينها، والوجع ذاته، وما ذلك الحوار القصير الذي دار بين (بارود) تيم عزيز الشاب السوري الذي يُقيم في “فان” في ذلك الحي، وعزيز (جورج خبّاز)، اللبناني الذي يعيش محنة خطف والده، عندما يسأل الثاني الأول عن هوية نمرة الفان الذي ينام فيه، ليكتشف أن للفان نمرتين “سورية ولبنانية”، وما كان هذا التفصيل إلّا تأكيداً على الوجع المشترك، بالمسببات ذاتها، والنتائج ذاتها..
في هذا الحي أيضاً، وكم تمنيت لو اتخذ اسم المسلسل اسمه من اسم الحي، لأني وجدت (النار بالنار)، مُفارقة إلى حدٍّ بعيد لأحداث الحي الصغيرة، فهي تفاصيل موجعة حقيقية، لكنها ليست بحجم (النار بالنار) التي توحي بحرب عالمية ثالثة.. في هذا الحي – المسلسل، سنرى محمد عبد العزيز مُغرماً بالتفاصيل، بالحكايات وقصص الناس، بقدر الاهتمام بالصورة، والتي تبدأ –الصورة- تعريفية مع كلِّ حلقة مع لقطة “درون” كاملة للحي، ثم لتقترب أكثر فأكثر من تفاصيل حكاية كلِّ شخصية.. لناس هم ناس القاع، الذين غالباً ما يكونون ضحايا للعبات أكبر منهم بكثير، وهم فيما بينهم، يكونون ضحايا لبعضهم البعض.. في هذا الحي-المسلسل، الذي يقطن فيه كلُّ من تكسرت أحلامه من اللبنانيين، ومن اللاجئين السوريين الذين طحنتهم حربٌ فُرضت على وطنهم..
في هذا الحي الذي يُقيم فيه الصحفي الشيوعي ( جميل) طارق تميم الذي كان يحلم يوماً بتطبيق العدالة الاجتماعية على الكون، ليستيقظ فيما بعد على كابوس الحاجة وإدمان القمار، وهنا الموسيقي الذي يعيش محنة خطف والده فيلقي بكلِّ عنصريته على سوريي الحي الذين لا يقلّون عنه وجعاً، والغريب أن العنصرية التي يُمارسها بعض اللبنانيين ضد السوريين هم غالباً من أصول سورية، أو قد يكون أحد الوالدين سوريّاً، كما في حالة الموسيقي عزيز.. وهناك (شايلوك) الحارة “عمران” –عابد فهد، الذي يخضع تقريباً كل قاطني الحي بعقود الربا الفاحش.. وهنا أيضاً “مريم” – كاريس بشار التي فقدت زوجها عند تنظيم “العمشات” ، فيما كانت تحاول الهجرة إلى ألمانيا.. وغيرها عشرات الشخصيات التي سيضبطها محمد عبد العزيز بعين كاميرته، فهنا ليس ثمة تلفيق، ولا ليَّ لعنق الأحداث لتناسب ممثلي المسلسل، بل الممثلون السوريون، هم سوريون في المسلسل، واللبنانيون هم لبنانيون، وقد فرض وجودهم معاً ظروفاً غير طبيعية في هذا الحي، ولا شيء من الكولاج في الأمر، بل لأن الأحداث تتطلب ذلك..

وبالعودة لغواية التفاصيل التي كانت هنا لعبة صُنّاع المسلسل الفنية، وأظن أنها المداميك التي نهضت عليها عمارة العمل الفني، وهي خلق الحالة الإنسانية من قلب كان أمسى طويلاً كحجرٍ صلب، ولاسيما في مشهد دخول (مريم) لبيت (عمران)، وقد هدّها اليأس والتعب، فتنام على الكنبة في غفوةٍ خرجت عن إرادتها، وعندما ينتبه عمران للأمر، يدخل لغرفة النوم، ويأتي بلحاف لتغطيتها، في إشارة إلى أنه ليس للسوري من ظهرٍ يحميه غير السوري، مهما اشتدّت الخلافات والانقسامات بينهما.. ومن التفاصيل اللافتة؛ المفارقة بين حالة (جميل) الشيوعي الذي خسر كلَّ أحلامه، فلم يكن يعنيه إغلاق باب بيته حين خروجه منه، أو دخوله إليه، بعكس (عزيز)، الذي يعيش المحنة، وكابوس الخطف، والعزلة، وهو ما انعكس بكثرة الأقفال على باب بيته، التي يُسارع لإغلاقها مع كل دخول للبيت.. أو خروج كل ضيف من عنده بمن فيهم شقيقته..
بقي أن أشير إلى تفصيلٍ آخر، وهو مشهد دخول المتطرف (زكريا) طوني عيسى، لبيت الموسيقي عزيز ليسكته احتراماً لمجلس العزاء في الخارج، فبعد مشادة قصيرة، يعود عزيز إلى عزفه من دون خشيةٍ من تهديد المُتطرف، لكن المفاجأة أنه كان يعزف موسيقا “طلع البدرُ علينا”، التي لن يسمعها ذلك المتطرف أبداً، ذلك المتطرف المتزوج من طفلة لا يتعدى عمرها الـ(13) سنة.. إنها دراما جماليات التفاصيل، وجماليات تراجيديا ناس القاع، وللحديث بقية..

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية