الترجمة وقوس قزح مع الدكتور حسين صفي الدين

تشرين- إدريس هاني:
يعيدنا المفكر والطبيب اللبناني د. حسين صفي الدين إلى قصة هذه الترجمة بلعنتها البابلية المزمنة، ويقف عند النّص الفلسفي: تحت قوس قزح الترجمة إلى العربية، وهو عنوان مؤلفه الجديد، حيث انخرط في وجع معضلة انتقال الأصل إلى العربية، في سياق يؤكد على انحراف الترجمة وعدم وفائها للنص الأصلي، أو ما سمّاه البعض بالترجمة كخيانة.
التحدي الذي حاوله صفي الدين، هو فتح نافذة على تاريخ الترجمة العربية منذ الكندي والفارابي وابن رشد قبل أن تتوقف مع توقف الزمان الثقافي العربي، وهذه تتطلب وقفة أخرى، لأنّ الترجمة حاجة أكثر مما هي رغبة، وقد بلغ العالم الإسلامي ذروة قوته، حيث تراجعت الحاجة للترجمة فيما بات يقدم نصوصاً للآخر، حيث كان أحرى أن نبحث إلى أي حدّ كانت الترجمات اللاتينية للنص العربي وفيّة للأصل؟
تاريخ الترجمة، ولاسيما في شقّها الفلسفي، مغامرة، لكن د. حسين صفي الدين تقصّاها بالتحليل والتأويل، فهو يدرك ويُسطّر أيضاً على أن الانزياح الترجمي عن النص الأصلي يعود إلى اختلاف بنية لغة التصدير عن بنية لغة الاستقبال، عن هذه المعضلة سيركز على عينات من الترجمة العربية، لنصوص هيغل وهوسرل ودولوز، ويستمر الحديث عن غربة النص المترجم عن النص الأصلي، وهي عند البعض تصل لمرتبة الاستحالة.
عالج صفي الدين الدافع الأساسي لفعل الترجمة، في مثال تجربة مصطفى صفوان مع نص هيغل في فينومينولوجيا الروح، حيث عدّ الدافع للترجمة في مقدمة محاولته يعود إلى الرغبة في تجديد الثقة باللغة العربية، هذا بينما صفي الدين يعدّ أنّ الرغبة ليست كافية لترجمة نص فلسفي، بل الترجمة في نظرة ضرورة وحرفة، وهو ما يعني أن الترجمة صناعة.
تقصّى صفي الدين النقاش العربي نفسه حول الترجمة، ولم يتجاهل محاولة طه عبد الرحمن، حيث نازلها في مزاعمها التداولية، ووقف عند بعض التفاصيل.
ينطوي العمل على محاولة مهمّة، سنتابع فصولها بالتأكيد، فالترجمة هي الفعل الضروري في مجال الفلسفة ليس لنا عنها حول، لكن لا أحد يرضيه نصّ مترجم، مع أنّ المشكلة تكمن في وعينا بمهام الترجمة وحقيقتها بوصفها تعاقداً وإعادة إنتاج، وأنها وفيّة لغواية المترجم بوصفه قارئاً، وأن لا مخرج من هذه المعضلة إلاّ بإخضاعها إلى الترجمة الجماعية، لتكون الترجمة أكثر ديمقراطية.
إنّ سوء الفهم الكبير يحدث داخل اللغة الواحدة، فكيف بالسير خلسة بين اللّغات، مسألة أخرى تعفيني شخصياً من هذا الجدل المستدام حول الترجمة، وهو أنّ النظرة المثالية للغة تجعلنا في موقع انعدام الرضا ، بعض اللغات أغنى بالمرادفات، وأخرى أقل، المفهوم يعفينا من التشدد في الألفاظ، لأنّ المفهوم يحتفظ (بـ) ويحيل (إلى) نسق فكري، غير آبه بالمعادل اللّفظي، سيستمر النزاع حول أفضل ترجمة ممكنة، وهي مستحيلة، لأنّ الإمتاع الترجمي مرهون ببنية لغة الاستقبال، التي هي شريك في صيرورة المعنى، لن نتوقع وفاء للنص الأصلي في الترجمة العربية وغيرها، بل ستكون الترجمة إفقاراً للنص الأصلي أو إغناء له، غير أنّ الترجمة ستبقى تحت طائلة اللعنة البابلية إلى الأبد، ما يعزز الرغبة في أنّ الترجمة فعل مستدام، وقد اختار لها د. حسين صفي الدين تشبيهاً بقوس قزح في الأسطورة القديمة، حيث ما إن يمر من تحته أحد حتى يفقد نوعه، وهو كذلك بالنسبة للترجمة باعتبارها قوس قزح.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا