في الدراما السوريّة أيضاً.. في البدء كان النص
تشرين-سامر الشغري:
أخبرني الفنان القدير دريد لحام في أحد لقاءاتي الصحفية معه، أن نص العمل الكوميدي يتحمل خمسين في المئة من عوامل نجاح العمل، أما الخمسون في المئة المتبقية فيتحملها التنفيذ وتحويل الكلام المكتوب إلى دراما من دم ولحم.
والواقع أن هذا الكلام لا ينطبق على الكوميديا وحدها بل على أصناف الدراما برمتها، لأن الأخيرة في جوهرها هي كما وصفها المخرج الراحل حاتم علي «بديل لحكاية ما قبل النوم»، وحتى تحقق ذلك يجب أن تبنى على نص قوي السبك وذكي وشائق وجاذب.
ولقد وعى الآباء المؤسسون في الدراما السورية خطورة النص وأهميته فاعتمدوا في كثير من الأحيان على نصوص عالمية، منها رواية (الجريمة والعقاب) لديستوفسكي التي أخرجها علاء الدين كوكش بمسلسل تحت عنوان (الاختيار) سنة 1967 ، واقتبس نهاد قلعي بعد ذلك بعام قصة مسلسل حمام الهنا من رواية (الكراسي الاثنا عشر) للروسيين إيلف وبتروف.
وعندما بحث المخرجون الرواد عن نصوص محلية وجدوا لدى أعلام الأدب ضالتهم، فكتب زكريا تامر مسلسل «من أرشيف أبو رشدي»، ومحمد الماغوط «حكايا الليل»، وعادل أبو شنب (حارة القصر)، بينما حول عبد العزيز هلال قصة صدقي إسماعيل «الله والفقر» إلى المسلسل الشهير (أسعد الوراق).
ظل الاحتفاء بالنص إحدى سمات الدراما السورية، وما تحويل روايات حنا مينه وخيري الذهبي ونبيل سلمان وإلفت الإدلبي إلى مسلسلات حققت صدى لدى الجمهور إلا إشارة إلى حالة التمازج بين الأدب والدراما، وهي بالتأكيد ليست حالة سورية فريدة بل لها مثيل في شتى أرجاء العالم.
غير أن حضور النص في العمل الدرامي تراجع مع بدء سنوات الحرب، إذ سافر العديد من الكتاب إلى خارج البلاد، وتوقف آخرون عن الكتابة، وأصبح من الواضح أن الدراما السورية وقعت في أزمة وأنها افتقدت ألقها السابق، كان ذلك تأكيداً إضافياً أن النص هو حجر الزاوية في نجاحها، وعندما تراجع فسوف تتراجع هي أيضاً، ولنا في أعمال الراحل حاتم علي الأخيرة مثال على ذلك فمسلسل (أوركيديا) الذي أخرجه ولعب أدوار البطولة باقة من النجوم لم يحقق الصدى الذي حققته أعماله السابقة، والسبب بالدرجة الأولى كان النص.
في هذا الموسم من الدراما السورية نشهد ما يمكن عدّه محاولة لاستيلاد آفاق جديدة في النص، فظهور ثنائيات في الكتابة بات سمة متكررة في العديد من الأعمال، وهو ظاهرة إيجابية وتقارب فكرة الورشة الدرامية، ومالت نصوص أخرى الى الاقتباس من السينما العالمية فشاهدنا صدى لأفلام مثل العراب والقتل المبرر واختفاء زوجة في مسلسلات هذا العام، وهذا في حد ذاته ليس عيباً إذا عرفنا أن الاقتباس هو السمة الغالبة لمعظم أفلام سينما عريقة هي السينما المصرية كما ذكر الناقد المصري محمود قاسم.
أما دخول أسماء شابة إلى عالم التأليف الدرامي فقد يؤدي إلى ضخ دماء جديدة، واستخدام أساليب غير مألوفة للمشاهد، ربما تحمل درامانا إلى مكانة الطليعة مجدداً وأنها مهما خسرت من نجوم ومن مخرجين من جراء السفر أو الموت، فإنها قادرة على العودة مرة أخرى ما دامت قد امتلكت المفتاح، وهو النص.