هل فقدت الدراما الاجتماعيّة السوريّة بريقها التسويقيّ؟
تشرين- بديع صنيج:
غريب جداً ما حصل لتسويق المسلسلات الاجتماعية السورية في هذا الموسم الدرامي، فبعد أن ضجَّت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وتحمَّس الجمهور لمتابعتها، بات أربعة منها خارج دائرة العرض الرمضاني.
الأعمال هي «دوار شمالي»، «مال القبان»، «كسر عضم» بجزئه الثاني، و«كانون»، ورغم اختلاف الأسباب وراء عدم بثِّها، لكن كثيراً من المؤشرات تدل على أن الدراما السورية الاجتماعية فقدت الكثير من بريقها التسويقي.
وبعد أن كانت النهضة الدرامية السورية تتكئ بجزء كبير منها على أكتاف الأعمال الاجتماعية، وحكاياتها الإنسانية القابلة للتعميم على المجتمعات العربية جميعها، فإن الانسياق نحو خصوصية المجتمع السوري أفقدها شغف المتابعة عربياً، كما يرى بعض النقاد.
وعلى ما يبدو فإن الدراما السطحية هي الأكثر جذباً على مستوى التسويق، بعيداً عن الدخول في عمق الشيفرات الاجتماعية بكل ما تحويه من قضايا ومشاكل وفساد مالي وأخلاقي وغيرها، وهو ما يدفع القنوات مثلاً لشراء حقوق عرض مسلسلات الفنتازيا الشامية غير المعروف أصلها من فصلها.
وبالعودة للأعمال الدرامية السورية الاجتماعية الخارجة من السباق الرمضاني لعام 2023، أثبت مسلسل «مال القبان» (كتابة علي وجيه ويامن الحجلي، إخراج سيف الدين سبيعي) صِدْقَ عنوانه، إذ لم يستطع القائمون عليه تحقيق عدالة التوزيع بين أعمالهم.
المخرج سبيعي انشغل بإخراج مسلسل «العربجي» إلى الضوء، ما جعله غير قادر على إكمال عمليات تصوير «مال القبان» واللحاق بالسباق الرمضاني، إضافة إلى أن الكاتب والممثل الحجلي آثر عمل «للموت» بجزئه الثالث من إخراج فيليب أسمر على قبَّانه الذي مال ربّما إلى العام القادم وهو من بطولة بسام كوسا وسلاف فواخرجي.
أما مسلسل «دوار شمالي.. مسار إجباري» كتابة حازم سليمان وإخراج عامر فهد، فقصة تأجيله مختلفة، إذ قبل ساعات قليلة من بدء الموسم الرمضاني أعلنت قناة أبو ظبي التي حصلت على حق العرض الأول عن إدراجه ضمن قائمة المسلسلات المجمدة حالياً.
وسوّغت ذلك بأن هناك مشكلات فنية وتقنية مرتبطة ببعض مشاهد الحلقات العشر الأولى، لكن في الكواليس ثمة حرب شنَّتها بعض شركات الإنتاج السورية على شركة I SEE MEDIA المنتجة له، واتهامات للعمل ببث مشاهد من العنف المرتبط بالواقع السوري.
ربما هذا ما دفع قناة أبو ظبي لتعليق عرضه، واستبداله في اللحظات الأخيرة بمسلسل «خريف عمر» من إخراج المثنى صبح، بحيث لم يبق أمام الشركة المنتجة لدوار شمالي سوى التأكيد على أن عملها «تعرض لمحاولات تشويه وتحريف»، رغم حصول مضمونه على الموافقة التامة من القناة العارضة.
إذاً نعود إلى أن الخصوصية السورية في الدراما باتت عنصراً مُنَفِّراً نوعاً ما، وأيضاً يرى بعض النقاد أن سوداوية الواقع في سورية باتت غير محببة للجمهور العربي، ولا تحمل الكثير من المتعة، فهم لا يرغبون بدراما شبيهة بالتحقيقات الاجتماعية أو في بعض الأحيان الأمنية.
من جهة أخرى، ارتأت شركة «بايورتا» للإنتاج الفني سحب مسلسل «كانون.. سوق الحرامية» من العرض الرمضاني، وذكرت في بيان لها أن سبب التأجيل هو «عدم الانتهاء من تصويره وإتمام عملياته الفنية وحفاظاً على المستوى الفني».
هذا العمل الذي يغوص في خبايا طبقتين اجتماعيتين متمايزتين بمستواهما المادي والاجتماعي، ويحكي قصة إنسان يواجه الشر بكل ما أوتي من قوة، واستمر تصويره مدة تزيد على الستة أشهر، لكن ذلك لم يكن كافياً لتحقيق هذه المواجهة إذ تم تأجيلها على أمل أن يتم تقديمها في موسم 2024 من بطولة بسام كوسا ومهيار خضور.
ولأسباب مشابهة أوضحت شركة كلاكيت عن تعليق عرض مسلسل «كسر عظم» بجزئه الثاني، تأليف علي صالح وإخراج كنان إسكندراني وبطولة فايز قزق، كاريس بشار، خالد القيش، سامر إسماعيل، كرم الشعراني، نادين تحسين بك، وغيرهم.
إذ ذكرت هدى سعد المديرة التنفيذية للشركة أن «قرار التأجيل كان بسبب ضيق الوقت، فهو عمل كبير جداً يستغرق وقتاً أطول للوصول إلى الجودة المطلوبة، وبضغط أقل، ولا علاقة لمضمون العمل بذاك القرار».
ورغم تعدد الأسباب وراء عدم العرض، فإن الخاسر الأكبر من كل ذلك هو الدراما السورية، التي طالما قاربت الواقع الاجتماعي في سورية بأكبر قدر من المصداقية، والتي حققت تعاطف الجمهور السوري أولاً ومن بعده الجمهور في كل أرجاء الوطن العربي.