محصول استراتيجي يودع «استراتيجيته».. القطن يسقط بعد الشوندر في فجوة المستلزمات
تشرين – علي شاهر أحمد:
لم تفاجئنا دوائر الزراعة بمناقشتها مسألة تعليق خطة زراعة القطن، فمنذ خمس سنوات لم تطلب وزارة الزراعة من دوائر الإحصاء و التخطيط في مديريات الزراعة تقديم دراسة لتكلفة إنتاج كيلو القطن وهذا دليل على إهمال هذه الزراعة و أن التسعيرة المعتمدة لا تستند إلى دراسة موضوعية فما هي حقيقة ظروف زراعة القطن في محافظة حماة..؟!
من الطبيعي أن تتأثر زراعة القطن بنقص المياه لكن من غير المنطقي أن تتراجع مساحة القطن إلى أقل من 10 % عما كانت قبل عشر سنوات إذ كان إنتاج المساحة المزروعة بالقطن والتي تصل إلى 20 ألف هكتار يتجاوز الـ100 ألف طن بينما انخفضت مساحة القطن بالموسم الماضي إلى 393 هكتاراً وبلغ إنتاجها 750 طناً و الغريب أن المتغير الوحيد بالموازنة المائية بالوقت الحالي هو توقف التخزين في سدود أفاميا وزيزون وقسطون التي لا يتجاوز تخزينهما 20 % من إجمالي التخزين في سدود المنطقة الوسطى ( قطينة – الرستن – محردة ) و التي بلغت بالموسم الحالي 242 مليون متر مكعب.
مدير عام “هيئة الغاب”: السبب في تراجع زراعة القطن هو العجز المائي
المهندس أوفى وسوف المدير العام للهيئة العامة لإدارة و تطوير الغاب بيّن أن السبب في تراجع زراعة القطن هو العجز المائي، مشيراً إلى أن الاحتياج المائي للمحاصيل الشتوية في الموسم الزراعي الحالي بلغ 65 مليون متر مكعب بينما المتاح المائي المخصص للغاب من سد الرستن 42 مليون متر مكعب حيث يتجاوز العجز المائي 20 مليون متر مكعب، وتساءل وسوف: كيف نضع خطة لزراعة محاصيل صيفية كالقطن في وقت لا تتوفر مياه لري المحصول ولذلك لا نستطيع أن نضع خطة لزراعة القطن.
وأكدت المهندسة مروة عكرة نائب رئيس دائرة الثروة النباتية في مديرية زراعة حماة أن زراعة القطن توقفت في مجال إشراف المديرية وأغلب الحقول التي زرعت بالقطن في السنوات الأخيرة هي حقول إرشادية، و أضافت: لم تعد لدينا خطة لزراعة القطن ولم تتجاوز المساحة المزروعة بالموسم الماضي 62 دونماً و ذلك بسبب تخريب وسرقة تجهيزات الآبار الارتوازية وارتفاع تكلفة ضخ المياه من الآبار التي لا تزال قيد العمل بسبب غلاء المحروقات بالإضافة لارتفاع تكلفة اليد العاملة وعدم توفرها في بعض المناطق حيث أصبحت زراعة القطن غير مجدية اقتصادياً نتيجة تضاعف تكاليف الإنتاج .
زراعة حماة: لم تعد لدينا خطة لزراعة القطن ولم تتجاوز المساحة المزروعة بالموسم الماضي 62 دونماً
المهندس الزراعي وديع صقر أوضح أن نقص المياه ليس السبب الوحيد لتوقف زراعة القطن.. صحيح أنه عامل مؤثر بتراجع مساحات القطن ولاسيما بالطرف الشمالي من الغاب والتي كانت تروى من سدود زيزون و قسطون و أفاميا A التي تصل طاقتهما التخزينية إلى 124 مليون متر مكعب لكن أن يصل الأمر إلى درجة مناقشة تعليق خطة زراعة القطن فهذا يحتاج إلى مراجعة للوقائع ولاسيما أن هذه السدود كانت تروي 24 ألف هكتار من مساحة الغاب البالغة 78 ألف هكتار، لافتاً إلى أن زراعة القطن توقفت بشكل شبه تام في بقية المناطق التي لا يزال المتاح المائي فيها في حالة التأرجح بين الزيادة والنقصان والسبب في ذلك أن تكلفة زراعة القطن تضاعفت عدة مرات بينما بقيت تسعيرة المحصول بخسة لا تتجاوز 4000 ليرة للكيلو بينما سعره العالمي 27 ألف ليرة .
محمد إبراهيم رئيس جمعية المسحل الفلاحية في الغاب أكد أن القطن محصول إستراتيجي من أفضل المحاصيل بالمردودية و مع ذلك تتجه دوائر الزراعة للتخلي عن خطة زراعته بمسوغ عدم توفر المياه اللازمة للري، علماً أن مزارعي القطن لا يطلبون من هذه الجهات توفير المياه و كل ما يريدونه هو إقرار خطة زراعته و توفير البذور والأسمدة بسعر التكلفة وأن تترك مسؤولية توفير مياه الري للمزارعين وبالتأكيد لن يقدم فلاح على زراعة محصول إلّا إذا توفرت مقومات زراعته لأن الفلاح يسعى للربح ولا يقبل الخسارة. مبيناً أن تكلفة زراعة القطن أصبحت عالية بالمقارنة مع سعره، إذ تصل تكلفة جني المحصول إلى 600 – 700 ليرة للكيلو، ناهيك ببقية الخدمات التي يحتاجها المحصول من أسمدة وأدوية وتعشيب بينما لم يتجاوز سعر الكيلو الواصل ليد المزارع بالموسم الماضي 3800 ليرة…
تكلفة زراعة القطن تضاعفت عدة مرات وبقيت تسعيرة المحصول بخسة لا تتجاوز 4000 ليرة للكيلو
بينما سعره العالمي 27 ألف ليرة
المزارع راكن حماد من جمعية حير المسيل الفلاحية لفت إلى أن القطن مصنف في سجلات وزارة الزراعة كمحصول إستراتيجي ومع ذلك منذ خمس سنوات لم تجرِ دراسة لتكلفة إنتاجه ليتم على أساسها إقرار تسعيرة له، وهذا يؤكد أن قرار تسعيرته بالسنوات السابقة كان مزاجياً أو ارتجالياً ولا يستند إلى معلومات مدروسة وأضاف حماد: لم أترك زراعة القطن على مدى العقدين الماضيين وتم تكريمي أكثر من مرة كبطل إنتاج في مؤتمرات القطن، لافتاً إلى أن قلة المياه سبب لتراجع مساحات القطن بالمناطق التي لا تتوفر فيها مصادر للري، لكن هناك أسباب لتوقف زراعته في بقية المناطق التي تتوفر فيها مياه الري و في مقدمتها تسعيرة المحصول المتدنية البالغة 4000 ليرة للكيلو غرام .
مزارعو القطن لا يطلبون توفير المياه و كل ما يريدونه هو إقرار خطة زراعته و توفير البذور والأسمدة بسعر التكلفة
وكشف المزارع حماد أن السياسة المعتمدة في تسعير المحاصيل لم ترقَ لمستوى الحفاظ على المحاصيل الإستراتيجية وهي السبب الأساسي في تدهور زراعة الشوندر والقطن، فمن غير المنطقي أن تتحدث وزارة الزراعة عن سعر الأسمدة بالسوق العالمية أو عن سعر التكلفة لهذه الأسمدة وعندما يجري الحديث عن تسعيرة محصول القطن يقال يكفي 4000 ليرة لسعر الكيلو ويضرب بالتسعيرة العالمية للقطن عرض الحائط ، وأضاف حماد: المزارع لا يطالب بالسعر العالمي بل يريد ثلث قيمة التسعيرة العالمية وهي 9 آلاف للكيلو وعندئذ نرى المساحة التي تزرع بالقطن وكمية الإنتاج التي تسوق للمحالج و خير مثال على ذلك المساحات التي زرعت بالذرة الصفراء بالموسم الماضي والتي تجاوزت 3000 هكتار.
اللافت أن المشكلة الحقيقية ليست في توقف زراعة القطن وحده بل في أن هذا التوقف يعطل تطبيق الدورة الزراعية المتكاملة إذ سبقه تراجع كبير في مساحات الشوندر وأصبح القمح المحصول الاستراتيجي الوحيد المعتمد في الخطة الزراعية وتكرار زراعته بالأرض نفسها سيؤدي إلى تراجع مردوديته وبالتالي فشل زراعته..!