«امتداد الحواس» لميس العاني تحملها من بلاط صاحبة الجلالة إلى فضاء الأدب

تشرين – سامر الشغري:
عندما يدخل الصحفي أرض الأدب فإنه لا يقتحمها مجرداً من أسلحته في معركته لتطويع اللغة وتسخير البيان، بل إنه يحمل معه أسلوبه التقريري وميله للمباشرة والتكثيف والاستعانة بالمعلومة والانخراط في الواقع وتجنب الخيال.
هذا ما جرى بالضبط مع الصحفية ميس العاني وهي تكتب عملها الروائي الأول لتكون أحدث الإعلاميين السوريين الوافدين إلى عالم الأدب، من خلال روايتها التي صدرت تحت اسم «امتداد الحواس» حيث تصارعت الأنا الصحفية مع مثيلتها الأدبية، لتكون الغلبة للأولى لأنها ملعب صاحبتها الأثير وميدانها الفسيح الذي أطلقت فيه العنان لعباراتها، وهي تتنافس للظفر بقلب القارئ ولفت انتباهه.
ولجأت ميس في (امتداد الحواس) للترميز المباشر فأطلقت على بطلي روايتها اسمي (نزار وشآم)، كناية عن حالة العشق التي ربطت شاعر الياسمين بالفيحاء، ولكن نزار الرواية غير نظيره في الشعر، فهو طبيب فقد أسرته أثر أحد التفجيرات التي أرقت العاصمة طوال سنوات الحرب، فأغرق نفسه في العمل لإسعاف الجنود وفي أحد أكثر المناطق اشتعالا «جبهة جوبر» لعلّه ينسى مصيبته.
أما شآم فهي مراسلة حربية على جانب كثير من الشجاعة وفي بعض المرات التهور، وتبدو كأن حياتها حكر على أمرين اثنين، الأول عملها الإعلامي الذي تلاحقه من دمشق لتدمر إلى مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، والثاني غرامها بنزار ورفضها الارتباط بسواه، وبدا لنا أن تعلق شآم بعملها وحبها لنزار أثرا في علاقتها بوالديها العجوزين، ولاسيما أمها التي غدت وحيدة بعد موت الأب هو الآخر من جراء قذائف الهاون التي كانت تتساقط على العاصمة بصورة شبه يومية.
وقد يكون من الغريب وقوع الصحفية شآم في حب الطبيب نزار بسرعة وفي خضم عملها الميداني في تغطية أحداث المعارك، وهذا الاستغراب تطرحه بيسان إحدى صديقات البطلة في صيغة سؤال «حب من النظرة الأولى؟»، ولكن وقوع هذا النمط من العلاقات له ما يبرره ويصبح ردة فعل لمن عايش هذه الحرب للهروب من أحداثها الدموية، كمن يتعلق ببارقة أمل وسط الظلام.. كما يبدو أشخاص الرواية الأخرى وأحداثها ثانويين إذا ما قورنوا بالبطلين الرئيسين وبقصة الحب التي جمعتهما، ما سيجعلني أصنف «امتداد الحواس» وبشيء من التحفظ كقصة طويلة أكثر منها رواية، من دون أن يؤثر ذلك في سعي المؤلفة لإدخال عنصر التشويق وجذب القارئ من الصفحة الأولى لملاحقة الأحداث المتسارعة والمتتابعة.
ولا تخفي ميس تأثرها برواية (أبي طويل الساقين) المعروفة تحت اسم «صاحب الظل الطويل» للأمريكية جين ويبستر التي يبدو أن كل فتياتنا انشدهن بشخصية بطلها السيد (بندلتون) ذلك الرجل الذي يحل مشكلات الفتاة (جودي) عن بعد ومن دون تدخل مباشر، وتتواصل معه عن طريق الرسائل.
ونرى صدى هذا التأثر في رواية ميس في أكثر من جانب، من تحول في جزء منها إلى أدب الرسائل بين العاشقين، والفصل الذي شكل حالة تناص مع الرواية الأمريكية وحمل اسم «صاحب الشوق الطويل»، وقيام نزار بزرع جهاز تعقب ومسجل داخل كاميرا شآم ليرصد حركتها أينما توجهت، لتبرر من خلال ذلك المؤلفة قدرته على مساعدة البطلة في أسفارها العديدة ورحلات عملها التي لا تنتهي.
وأعتقد أن الرواية تناسب القارئ غير السوري الذي سيتعرف من خلالها على ضراوة الحرب وأحداثها الدموية المشتعلة، من المعارك المستمرة في حي جوبر، وحوادث القنص وإغلاق الطرقات في جديدة عرطوز، وهجوم تنظيم «داعش» على تدمر وما ارتكبه فيها من جرائم، وحصار حلب وقطع الكهرباء والماء عنها، في حين سيكون القارئ السوري زاهداً باسترجاع هذه الذكريات المريرة لأنه شاهدها عياناً جهاراً وقبل سنوات قليلة.
تقسيم الكاتبة رواية امتداد الحواس إلى (18) فصلا بعناوين لخصت مضمون كل فصل كان موفقاً في أغلب الأحيان، ولكنه غرق في مباشرة شديدة ولغة صحفية تقريرية في بعضها، كما في الفصل الذي حمل عنوان «الحضارة الإنسانية تذبح في تدمر والمعابد تستغيث».
نهاية الرواية جاءت كلاسيكية الطابع، إذ تنحل كل العقد ويلتقي الحبيبان بعد انتظار سنتين ليتزوجا على أرض الكنانة «مصر»، وينجبا بنتاً اسمها بلقيس «اسم زوجة نزار قباني وحبيبته»، ورغم ذلك فإن اللجوء للنهاية السعيدة التي يتزوج في ختامها الأبطال يبدو خياراً صائباً للتخفيف من قتامة الصورة ومشاهد الدم والموت المنتشر في عموم الأرض السورية، وبث التفاؤل بالغد والأمل بمستقبل واعد لا نعرف متى سيأتي.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إصابة مدنيين اثنين جراء عدوان إسرائيلي استهدف منطقة القصير بريف حمص (وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه سورية تترأس اجتماع الدورة السادسة للمجلس العربي للسكان والتنمية في القاهرة الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان