معرضُ «آلام»… الفنُّ في خدمة الإنسانيّة!
تشرين- جواد ديوب:
ضمّ معرضُ «آلام» (المقام حالياً في صالة الشعب للفنون) قرابة سبعين لوحة وأربعة أعمال نحتية بمواد مختلفة من خشب ورخام وخردة، لوحاتٌ أهداها خمسون فناناً سورياً، مختلفو الأعمار والأساليب، في بادرة إنسانية يأملون من خلالها أن تُباع تلك الأعمال ويتمَّ جمعُ ريعها لمصلحة متضرري الزلزال في المدن المنكوبة.
عن طبيعة المبادرة قال الفنان ناصر عبيد (عضو مكتب تنفيذي في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين) لـ«تشرين»: «المعرض هو ثمرة عمل جماعي مشترك، بمبادرة من اتحاد الفنانين التشكيليين، وتطوع الفنانون السوريون من أجل أن تكون هذه الأعمال نوعاً من مساعدة ولو بسيطة لمتضرري الزلزال، وقد استطعنا بجهود شخصية وجماعية أن نجمع تبرعات مالية تم إرسالها فوراً، بإشراف الاتحاد، إلى زملائنا التشكيليين الذين تضرّروا، إذ يقدر عددهم بنحو عشرين فناناً من حلب واللاذقية وحماه وجبلة وطرطوس».. ويضيفُ الفنان عبيد: نتمنى أن يقوم الناس باقتناء وشراء هذه اللوحات المعروضة هنا، وهذا ليس أبداً من أجل شهرة أي فنان مشارك أو مزيد في أرباحهم، إنما لأنه عمل تطوعي خيريّ وليس «بروظة إعلامية».
نسأله عن سبب تفاوت المستويات في اللوحات، وأين هم الفنانون الكبار؟.. يقول عبيد: «نُحضّر لمبادرة أخرى تكون بمشاركة فنانين مخضرمين، لكننا تمكنا من اقتناء لوحة للفنانة أسماء الفيومي، وعمل نحتي للفنان العالمي لطفي الرمحين، تمّ بيعهما وجمع ريعهما لمصلحة أهلنا المتضررين، وأقول بصراحة إن العمل يحتاج إلى «علاقات شخصية» وعلاقات صداقة بين الفنانين من أجل الوثوقية وتنسيق الجهود، فإحدى الفنانات السوريات الشهيرات رغبت بالتبرع لكنها لم تعرف كيف تفعل ذلك، وطلبتْ منا مساعدتها، فساعدناها بكل أمانة»!
بينما تقولُ الفنانة «ربا قرقوط»: «شاركتُ اليوم لأني أرغب في أن أترجمَ مشاعر الألم وحالة الهلع والتشرّد التي انتابتنا وانتابت المصابين، عن طريق اللوحة كلغة بصرية، بخطوط متعرجة، وألوان قاتمة، وظلال غامضة تبدو فيها صرخات الفزع والدهشة».
وتجيبنا عن سؤال: ما دور الفن في زمن الكوارث؟
بقولها: «أتمنى أن يكون لنا دور في أن يتم اقتناء لوحاتنا لنحول المبالغ المالية من أسعار اللوحات إلى أي عائلة محتاجة أو أي طفل منكوب أو أي امرأة بقيت من دون سند، لأن مهمة الفنان في البداية هي مهمة إنسانية مهما بلغ من عظمة وشهرة، وقد تكون أعمالي القادمة ليست من وحي الألم والأوجاع، إنما فيها لمسة أمل من خلال مثلاً ثيمة إعادة البناء أو لوحة فيها ما يجعلُ الأملَ يُزهر في أرواح الناس المكلومين».
كما اشتغلَ «موفق المصري» لوحته بما يشبه تقنية «الكولاج» من مواد البناء مثل: الحصى الصغيرة والرمل وبقايا أكياس قماشية تشبه القنّب ممزوجة مع الغِراء، جاعلاً السمكة تخرجُ من الوحل نحو السماء الزرقاء في «رمزية معكوسة» تشير إلى الرغبة في الخلاص، «لأنني جعلتُ من السماء الزرقاء خَلاصاً من ركام القاع وأنقاض الحياة وبقايا البيوت»… حسب قوله!
بينما يشير الشاب إسماعيل ديوب (ماجستير اقتصاد دولي في كلية العلوم السياسيّة): إلى أنه يشارك أول مرة، وذلك لأهمية فكرة المعرض في إيصال رسالة إنسانية عن الكارثة إلى العالم كله، ويوضح توليفة الرموز والمعالم التي رسمها في واحدة من لوحتيه: الساعة للدلالة على التوقيت الذي حدث فيه الزلزال وكيف أنه أحدثَ شرخاً في التاريخ السوري قبل وبعد الزلزال، وهناك مَعلمٌ من قلعة حلب التي تضررت لكنها صمدت، وهناك رمز الملائكة كما لو أنها روح الله التي أنقذت الكثيرين من تحت الركام بعد أسبوع أو عشرة أيام من الكارثة.
الفنانة فاطمة أحمد السودي أشارت إلى أهمية هذا النوع من المبادرات «فهي إن لم تساهم في الدعم المالي، فإنها تشكل دعماً نفسياً ومعنوياً لأهلنا المنكوبين على الأقل حين يعلمون أننا نقف إلى جانبهم في مأساتهم، وأننا لم ننسهم، وإنهم في وجداننا».
وتخللت الافتتاح مشاركة من فرقة شابات عازفات على آلات الكمان، عزفن أغنيات منها: موطني ومقطوعات موسيقية متنوعة، كنوع من مشاركة أولى لهنّ، تُنمّي عندهن الإحساس بالتضامن مع إخوتهم في الإنسانية، حسبما ذكرت الفنانة السودي التي أشرفت على وجودهنّ في المكان.
يُذكر أن اتحاد الفنانين التشكيليين بصدد إقامة معرض فني قادم (لم يحدد التاريخ بعد) سيضم مجموعة من الفنانين السوريين المخضرمين الذين أبدوا استعدادهم الكامل لتحويل كامل ريع لوحاتهم لمصلحة المنكوبين.