مفرداتُ الخلاصِ السوريِّ

باتتْ عبثيةً وأوهاماً بالمطلق تلكَ التي تنشدُ السلامَ، وتستنكرُ «عبثيةَ» الحروب في عالم اليوم، كما الأمس القريب والبعيد، البعيد في العمق السحيق للتاريخ الحديث والقديم.
منذ ١٨٠٠ عامٍ وأكثر، لم تجدْ «تأملاتُ» الإمبراطور الرومانيّ «أوريليوس» وتساؤلاته بشأن جدليّة العدالةِ والحربِ والسلامِ أيَّ إجاباتٍ، بل كانت جلبةُ متوالياتِ الدم والحديد والنار أقوى بكثير من أصوات المنطق ومحاكمات العقل المجرّد.
نعم.. في تجارب التاريخِ، وتجاربنا، نحنُ السوريين، ما يكفي لإقناعنا بأن السلام وهمٌ، وأنّ في هذا العالم مَنْ «خُلقوا ليفترسوا»، ولن يتركوا شعباً آمناً على وجه البسيطة، ولاسيما حيثُ الثرواتُ التي يسيل لها لعابُ عاشقي الدسم العالي، إن في أعماق المحيطات أو في جوف اليابسة وعلى ظهرها، لتتحوّل النعمةُ إلى نقمةٍ على أصحابها، فالنفطُ نقمةٌ، والذهبُ مثلُه، والمياه والزراعة والجغرافيا بكلّ ميزاتها وامتيازاتها، لأنّ رائحةَ الدمِ تستقطبُ المفترساتِ وبريق الثروات يغوي كلّ قراصنة الدنيا.
في الأمسِ «لَفيَ» رئيسُ هيئة الأركان الأميركيّة على الشمال السوريّ، و قبله كثيرون من منفّذي مهمّات الاستطلاع الاقتصادي بالدرجة الأولى، لا العسكري، لأن غاياتِ النفوذ والصراع والاستحواذ تكاد تكونُ اقتصاديةً بالمطلق.
الأميركيُّ يسطو على النفط والقمح والقطن السوريّ، والتركيُّ يلتقط «البواقي» كما «الضباع القمّامة» تماماً.. في بداياتِ التحالفِ كانت أرضُ وسماء الشمال مسرحاً لتحرّكات عصابة ما سمّوه «التحالف» من فرنسيين وإنكليزٍ وجنسيّات أوروبيّة متعددة، تمّ إبعادُها لاحقاً بعيداً عن الحصص، لأن مهمة الأوروبيّ منذ الحرب العالميّة الثانية وحتى اليوم، كما مهمّة كلب الصيد..يصطادُ ليس إلا، وأقصى ما يفعله أن يلعق لعابَه حين يبدأ صاحبُه الأكلَ!.
المشهدُ برمّته مثيرٌ للغضبِ والدهشة والحزن وخليطٍ من المشاعر الساخطة التي تكون أكثر إيلاماً لكلّ من يسلّم بأن ما يحصلُ بات أمراً محتوماً، وليس في اليد حيلةٌ، وثمة قناعاتٌ تمّ تسويقُها هي في الواقع استسلامٌ ،لا واقعيةٌ، ولا تسليمٌ.
الآن ..هل علينا، نحنُ الشعبَ، أن ننتظرَ معاهدةً تاريخيّة تشبه معاهدةَ «فرساي» تتكفّل بإحلالِ السلام في أرضنا وإعادة ثرواتنا المنهوبة مثلاً ؟؟!
عبرَ التاريخ، لم يخرجْ محتلٌّ من أرضٍ احتلّها بعد ندمٍ أو صحوة ضميرٍ، ولا بفعل قوى عسكرية تقليديّة منظّمة، بل بقوة إرادة وتصميم الشعب «المقاومة الشعبيّة»، وقد علمّتنا دروسُ التاريخ أن إرادةَ الشعوب، عندما تُريد، لاتُقهر.. وبما أن السلام العالمي وهمٌ، فلا بدَّ من توازنات رعبٍ، والتوازنُ الأهمُّ بالنسبة لشعوب منطقتنا الحافلة بالثروات، هو الشعوبُ ذاتُها، إذ إننا لا نملكُ حظوظاً في مضمار سباقاتِ التسلّح، ولا التكنولوجيا، ولا الحروب البيولوجيّة.
الدرسُ الفيتناميُّ ماثلٌ في التاريخ، وربما على شعوبِ منطقة الشرق الأوسط قاطبةً – ليس الشعب السوريّ فحسبْ – أن تعيدَ قراءتَه بعنايةٍ واعتبارٍ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار