أيهم عرسان يضع الطفل في «زاوية صعبة»
تشرين- ميسون شباني:
مازالت عوالم الطفل تثير شهوة الكثير من الكتّاب والمخرجين للغوص في عوالمها والنبش في تفاصيلها، وتعد قضية التنمّر واحدة من القضايا التي يرزح تحت ضغوطها بعض الأطفال من قبل المحيطين بهم. عن هذا الموضوع أنجزت المؤسسة العامة للسينما الفيلم السينمائي القصير «زاوية صعبة» سيناريو وإخراج أيهم عرسان، ومن تمثيل: عاصم حواط، ياسمين جباوي، غيث الأدهمي، غدي العقباني، تيم حمشو، حكمت شيخ الأرض، جواد خلوف، وعمر طرخون.
قصة الفيلم تتحدث عن الزاوية الصعبة التي يمكن أن يوضع فيها الطفل نتيجة قسوة الظرف الاجتماعي عليه، والتي تتطلب منه التحول إلى رجل يتحمل المسؤولية على حساب طفولته التي تصبح ثانوية.. كما يتطرق الفيلم إلى قضية التنمّر وأثرها الاجتماعي، وخاصة على الطفل.
المشاركة في تحمّل الأعباء
عن قصة الفيلم ومضمون ما يحمله التقت «تشرين» المخرج السينمائي أيهم عرسان، وتحدث عن فكرة الفيلم وتفاصيله قائلاً: أناقش في الفيلم قضيتين مدمجتين هما: قضية الضغوط والتحولات العائلية التي تطرأ على الطفل، والتي قد تؤدي فيه بشكل من الأشكال أن يكون مطلوباً منه ما هو مطلوب من الرجال، والمقصود هنا تحمل المسؤولية وأيضاً تحمل أعباء الحياة والمشاركة في مسؤولية البيت، وهذه أحد الأمور التي لها علاقة بهذه الزاوية الصعبة التي وضع فيها مجبراً بين شغفه ورغبته في أن يمارس طفولته وبين مساعدته لأسرته، وهناك ملمح آخر له علاقة بالتنمر، وهذا الشيء بات من الضروري تسليط الضوء عليه، لأن المجتمع نفسه تكون فيه مسألة عدم الانتباه إلى هذا الموضوع، والناس والأطفال ينجرون لمسألة التنمر من دون إدراك لمدى الأذى الذي قد يتعرض له الطرف الآخر وهاتان القضيتان هما اللتان يناقشهما جوهر الفيلم.
الطفل هو المُخَاطب هنا
وعن موضوع الغوص في عوالم الطفل وعرض مشكلاته وهواجسه يقول عرسان: لا يكفي عرض المشكلة، بل يجب معالجتها من خلال منطق الطفل وحده، وعندما نقول إنه عمل موجّه للطفل فيجب أن يكون هو المخاطب بالدرجة الأولى، كما يجب أن يتم التحدث إليه بالمنطق الذي يفهمه هو، وبأسلوب معالجة يتفهمها حسب عمره وثقافته وكل الأمور التي لها علاقة بمنطقه كي نستطيع أن نصل إليه، وكي لا يشعر بأننا في لحظة ما نتعالى عليه أو أن الموضوع بعيد عنه، أو نذهب لمبدأ التبسيط.
معادلة صعبة
ويستكمل المخرج عرسان قائلاً: هي معادلة صعبة تنشأ منذ وقت نشوء الفكرة وكتابتها وكل ما يحيط بها حتى نصل إلى النسخة النهائية، ويجب الانتباه إلى منطق الطفل حتى وقت الكتابة ، فأنا دائماً أرتد دائماً إلى منطقه، وأستعيد شيئاً من طفولتي، وليس بالضروري الحكاية، بل كيف أرى الأشياء من دون إغفال علاقتنا بالأطفال ضمن محيطنا الاجتماعي، وهي مسألة دقيقة لكن مغرية جداً، وأنا أراه واجباً على المؤسسات الثقافية الالتفات إلى هذا الموضوع والاهتمام به ليس على صعيد الأفلام القصيرة، بل يمكن على صعيد الأفلام الطويلة، وهذا الأمر متروك منذ زمن والمعادل للأطفال هو السينما الغربية ومسلسلات «الأنيميشن»، والذي يحمل إسقاطات أخرى من دون أن ننتبه، وهي تدخل في عقليته ومفاهيمه لذلك يكونون مرتهنين لهذا الأمر، ومن هنا أشعر بأن هناك واجباً كبيراً لتقديم شيء يشبهنا ويشبه ثقافتنا وطريقة التفكير كي نستطيع إيصال الرسالة وفي الوقت نفسه نكون قد اشتغلنا على منظومة التراكم الثقافي والمعرفي والفني عند الطفل.
خلق حالة من التبنّي
وعن إدارة المخرج للطفل يضيف عرسان: بالكثير من العمل، والكثير من البروفات والمحاولات، خلقنا حالة التبنّي لديهم، تلك التي نمارسها مع الممثلين المحترفين الكبار، العمل مجهد وغني، وفيه حوارات وبروفات أطول كي أصل إلى مرحلة تبني الشخصية.. هذا الطفل يشعر بأنه تماهى مع الشخصية الدرامية للعمل، وأود أن أشير إلى فكرة المعاهد التمثيلية التي تتيح للطفل معرفة الخطوات الأولى في عالم التمثيل وعنده اطلاع على مفاهيم التمثيل والأداء، يتم التحضير معه دون الانطلاق من الصفر.
أميل إلى تنفيذ العمل بنفسي
وبشأن إخراجه ما يكتبه يقول عرسان: إضافة إلى كوني كاتباً أنا مخرج أساساً وأمارس الكتابة، لذلك أميل إلى تنفيذ العمل بنفسي وأرغب بأن أستكمل هذا الشيء من خلال الصورة كي نصل إلى الصيغة النهائية، وهذا لا يمنع أنني قد أتبنى مشروعاً لكاتب آخر أو ممكن أن أقدم نصاً لمخرج آخر، لكنني أفضّل عموماً أن أكون مخرج العمل الذي أكتبه، لأنني أشعر بأنني أستطيع إيصاله كما أريد و بالصورة التي أراها.. وأحاول الوصول إلى أعلى حد ممكن، وفي النهاية مرحلة الكتابة ومرحلة التنفيذ مهما تخيل المرء فيها فإنه يبقى على أرض الواقع مختلفاً، وبالنسبة لمواقع التصوير والأطفال المفترضين وكل ما يخضع لتعديلات أو تدوير الزوايا، بمعنى أن الطفل لا يمكن أن يكون كما رسمته في مخيلتي، وهو طفل حقيقي له شخصيته ومواصفاته الفيزيائية حتى موقع التصوير، قد لا يقارب ما كتبته، لكن أحاول أن تكون عناصر الفيلم متوافرة.