بصمةٌ على جدار الذاكرة المايسترو السوري نوري الرحيباني
إدريس مراد
يعدّ الموسيقار السوري نوري الرحيباني من أوائل الموسيقيين السوريين الأكاديميين الذين تعرّفوا على الموسيقا العالمية، بل من الأوائل ممن درسوا الموسيقا في أوروبا، إذ درس قواعد التلحين والبيانو في المعهد العالي للموسيقا بمدينة لايبزيغ في ألمانيا، ثم درس بعدها قيادة الأوركسترا، وأنهى دراسته بامتياز عام 1972، أثناء هذه الفترة شارك في العديد من ورشات العمل العالمية عند قادة أوركسترا مشهورين مثل إيغور ماركيفتش وآرفيد يانسون وكورت مازور، ليستلم بعد تخرجه مباشرة عمله كقائد أول للأوركسترا السيمفونية لمدينة رايشنباخ قبل تغير اسمها إلى «رايشنباخ الفلهارمونية».
فترة الشهرة
وفي فترة قصيرة ونتيجة نشاطه المستمر وامتلاكه تقنية عالية المستوى في عالم الموسيقا حظي بشهرة واسعة واستضافه الكثير من الفرق الأوركسترالية العالمية،إذ ترأس مرات عدة كقائد ضيف فرقة هاله الفلهارمونية، كما قام بالعديد من التسجيلات الإذاعية والتلفزيونية مع فرقة إذاعة برلين السيمفونية الكبيرة وفرقة الكورال التابعة لها، وعمل كقائد أول لمدة سنة لدار أوبرا مدينة فرايبورغ، وقاد الفرقة السيمفونية لمدينة سان بطرس بورغ، وفرقة كالينينغراد الفلهارمونية، وفرقة مغديبورغ الفلهارمونية وفرقة دار أوبرا لونيبورغ.
جسر بين الشرق والغرب
رغم ذلك لم ينس موسيقاه العربية والسورية والشرقية بشكل عام، فعمل على مزج الألحان العربية وخاصة السورية منها وحولها إلى لغة أوركسترالية لتقدم مع كبريات الفرق في ألمانيا وغيرها، ولتشكل ألحان نوري الرحيباني جسراً موسيقياً بين الشرق والغرب وعلى الأغلب يروي لنا في ألحانه قصة أو ينقل لنا انطباعاته وأحاسيسه التي عاشها أثناء التلحين، وتظهر روحه الشرقية وجذوره في وطنه الأم من خلال أعماله سواء استعمل لحناً عربياً معروفاً أو لا، إن لغته الموسيقية واضحة فهو يستغني عن الاتجاهات الموسيقية الحديثة المعقدة.. وتشمل أعمال الرحيباني ألحاناً وتوزيعات كثيرة للآلات الإيقاعية كما تشمل أيضاً أعمالاً مختلفة للبيانو وموسيقا الحجرة بمختلف أنواعها وأعمالاً سيمفونية متعددة، ومن أبرز أعماله في هذا الاتجاه هو الملحمة الموسيقية «المدن الميتة» هذا العمل الذي تمّ في ألمانيا عام 2017 بنجاح كبير، ويجسد فيه الحضارة السورية العريقة من خلال تعبيره بلغة موسيقية عالمية وتاريخ المدن الميتة أو المهجورة وهي بقايا آثار قديمة جداً في الشمال السوري تحكي آلاف الحكايات.
الحنين الدائم لسورية
لم يغب نوري الرحيباني عن بلده أبداً حيث تستضيفه الفرقة السيمفونية الوطنية السورية سنوياً كقائد ضيف حيث قاد الفرقة أول مرة عام 2001 بعدها صار يدعى سنوياً لقيادة الفرقة، ومن أجمل حفلاته مع فرقتنا في عام 2011 وقدم من خلالها الرقصات والأغاني العربية السيمفونية، وآخر حفلة له مع الفرقة كانت عام 2019 بمشاركة المغنية الأوبرالية السورية سوزان حداد وكورال الكبير للمعهد العالي للموسيقا ليقدم فيها باحترافية عالية عمل المؤلف كارل أورف الشهير كارمينا بورانا.
لم يكن نوري الرحيباني موسيقياً عادياً بل كانت له الريادة في بعض الأشياء وعلى سبيل المثال لا الحصر اهتمامه ودراسته المعمقة للآلات الإيقاعية، وكان خبيراً في الموسيقا الإيقاعية، وهو عضو وأستاذ ضيف في جمعية كارل أورف الدولية، وأسس عام 1980 فرقة للموسيقا الإيقاعية «الطبل الناري» في معهد الموسيقا في مدينة لوشوفي ألمانيا والتي أصبحت بعد وقت قصير الشعار الموسيقي لمنطقة فندلاند، وفي هذا الإطار قدم أيضاً في عام 2011 وأأول مرة حفلة للموسيقا الإيقاعية في دمشق بالاشتراك مع الموسيقي سيمون مريش وعازفي الإيقاع في الفرقة السيمفونية الوطنية السورية.
جوائز عدة
ولد نوري الرحيباني في دمشق عام 1939، حاز الكثير من الجوائز .. قُلّد عام 2001 وسام الاستحقاق الألماني ذا الوشاح تكريماً لعمله كملحن وقائد أوركسترا ومرب موسيقي، وحصل على وسام صداقة الشعوب الفضي عام 1973 من جامعة صداقة الشعوب في برلين، كما حصل عام 2019 على الميدالية الذهبية لمدينة لوشو Luechow التي يسكن فيها تكريماً لنشاطاته الموسيقية.
برحيل الموسيقار السوري نوري الرحيباني يوم السبت 4 آذار 2023 تخسر الساحة الموسيقية الأوروبية والسورية واحداً من أبرز موسيقييها، الذي تمتد مسيرته الفنية أكثر من نصف قرن وضع من خلالها بصمة لا تمحى على الساحة الفنية.