الزلزال «يفجر» هواجس العائدين إلى أحياء زعزع أبنيتها الإرهاب
تشرين – عثمان الخلف:
سجلت مدينة دير الزور في أحيائها الشرقية أعلى نسب الدمار على مستوى المحافظة، مما خلّفته الأحداث خلال السنوات الماضيّة في مساكن قاطنيها والبنى التحتيّة فيها، لتتفاوت النسب بين مرتفعة الأضرار، إلى المتوسطة، فالأقل ضرراً، وكل ذلك يحول دون عودة أغلب سكانها، ومن عاد كما تقول العرب : “مُجبرٌ أخوك لا بطل”!!، لتأتي واقعة الزلزال الأخيرة التي ضربت حلب واللاذقية وحماة وطرطوس وإدلب، ووصلت امتداداتها إلى دير الزور، لتُحيي مخاوف العائدين من سكانها.
دمار ومخاوف
إذا كانت دير الزور أنهت إرهاب التنظيمات المسلّحة، فإنّ ما خلفته من دمار وخراب لاتزال مفرزاته تُقلق العوائل التي عادت لأحيائها، وشكّل انهيار مبنى غير مأهول مؤلف من 6 طوابق أول أمس في حي الجبيلة أحد مؤشرات مخاطر ما خلفته فترة الحرب من تهديدات للمباني السكنيّة المتضررة نتيجتها، ليزيد الزلزال الأخير من مخاوف السكان ممن عادوا لمنازلهم، وسبق ذلك في العام 2021 تسجيل انهيار لمبنى من 5 طوابق كانت تجري له أعمال ترميم من قبل مالكيه وتسبب ذلك حينها بوفاة عامل وإصابة آخرين، علماً أن الدائرة الفنيّة بمجلس المدينة حذرت وقتها من أي أعمال فيه لخطورته.
يُمكن بعين المشاهدة توزيع نسب الدمار في الأحياء الشرقية لمدينة دير الزور، لتأتي أحياء مثل الشيخ ياسين، العرضي، الرشدية، الصناعة، كنامات، خسارات، المطار القديم وأبو عابد، على رأس نسب أضرار الدمار المُرتفعة، لتتوسط النسب تلك في أحياء الحميدية، والموظفين، وبشكل أقل في حي الجبيلة، ومن هنا فإنّ العودة للأهالي لا تزال ضئيلة جداً وإن سجلت عودة أعلى في أحياء الحميدية والعرفي والعمال والموظفين، وبأعداد أصابع اليد بالنسبة للأحياء ذات الدمار الكبير، وهي لمن كانت منازلهم قابلة للترميم.
ويُشير مواطنون من سكان تلك الأحياء في حديثهم لـ”تشرين” إلى أن واقع الغلاء الفاحش والوضع المعيشي الخانق جعلا من الصعوبة بمكان استمرار استئجار منازل أو السكن في منازل لأصدقاء أو أقارب خارج البلاد، لذا دفعت مرارة النزوح هؤلاء للعودة وإن كان على ركام : “قد تجد منزلك قابلاً للترميم، غير أن ما يعلوه من منازل تجده مُدمراً، أو ما هو أسفله، أو جواره، وضيق شوارع بعض الأحياء زاد من تهديدات سقوط جدران أو أسقف إلى تلك الشوارع..لم عدنا نشعر بالأمان في داخل المنازل ولا خارجها (الأمان بيد الله)، غير أن ما نعيشه من مخاوف يُمكن لأي زائر تقدير حجمها، وانهيار مبانٍ في حي الجبيلة أول أمس، وكذلك ما جرى قبل عامين هي مؤشرات خطيرة، وقد أدت تسربات خطوط الصرف الصحي والمياه إلى تضررات طالت أبنية كثيرة فترة سيطرة الإرهاب، الأحياء التي نقطنها يصدق عليها توصيف المنكوبة، ومهما جرى من تدخلات خدميّة عبر فتح أسواق وامتداد إعمار البنى الخدميّة باتجاه أحيائنا، فإنّ المشكلة تكمن في غياب الحلول لمنازل الأهالي وكما يُقال : ( الجنة بلا ناس مابتنداس).
رصد الأبنية المهددة للسلامة العامة بدأ منذ أعوام.. 55 مبنى خطراً رُصد بعد الزلزال وأزيل منها 30
رصد ومتابعة
لم يبدأ مجلس مدينة دير الزور عمليات رصد واقع الأبنيّة الخطرة والمهددة للسلامة العامة في أحياء المدينة الشرقيّة بعد واقعة الزلزال، بل كان ذلك منذ العام 2020 مع العودة التدريجية للأهالي ممن كانت منازلهم سليمة إنشائياً وتحتاج ترميمات، ويؤكد رئيس مجلس المدينة جرير كاكاخان في تصريح لـ«تشرين» أنّ عمليات الرصد كانت بدأت قُبيل تسلمه مهامه في رئاسة المجلس: “نتائج جرد الأبنية الخطرة والآيلة للسقوط وتهدد السلامة العامة حددت خلال تلك السنوات 187 بناءً، جرى تنفيذ الإجراءات مابين الهدم والإخلاء في تلك السنوات لـ80 مبنى، ولم تتوقف الأعمال، ومنذ واقعة الزلزال كثفنا عمليات المعاينة والرصد عن طريق لجنة السلامة العامة وإلى الآن خلال الفترة الماضية تمت معاينة 55 مبنى، أزيل منها 30 وأخليت 7 مبانٍ مأهولة من سكانها، ومنها في أحياء لم تتعرض لدمار الحرب كالجورة، كما يوجد أيضاً مبانٍ في حيي الجبيلة وبورسعيد.
وأشار كاكاخان إلى أن لجان مجلس مدينة دير الزور ذات الشأن تتابع أعمال الكشف والمعاينة لأوضاع الأبنية بالعموم، سواء منها في الأحياء المدمرة، أو سواها مما يجد فيها سكانها مخاطر ما، وأبلغنا المواطنين بضرورة الإبلاغ عن أي اشتباه بخطورة في منازلهم بغية الكشف عليها وأخذ الخبرة الفنيّة لتقدير الوضع، لافتاً إلى أن أعمال إزالة الأبنية الخطرة تتم وفق عقود مع الشركة العامة للطرق والجسور وعلى مراحل منذ سنة البدء بذلك.
أخيراً
يُقال: “ليس من شاهد كمن سمع” فحجم الدمار في أحياء مدينة دير الزور الشرقيّة- مركز المحافظة- كبير و يحتاج إمكانات هائلة تلحظ واقعها المأساوي الذي خلّفته سنوات من سيطرة المجموعات المسلحة التي حوّلت ذاكرة المكان لدى أهلها إلى ركام، فيما تُعاني الجهات الخدميّة قلة الإمكانات الماليّة التي تلحظ حركة الإعمار كما يجب، ناهيك بمّا خلّفته أعمال التخريب في تلك السنوات والسرقة من فقدان تلك الجهات، سواء أكانت بلدية أو خدميّة لأساطيل آليات ضخمة تُغطي أعمالها، هذا إنْ لم نأتِ على فقدانها أيضاً لكوادرها الفنيّة والعمالة في قطاعاتها، لنصل إلى نتيجة مفادها أن الإعمار يحتاج إمكانات دول لا دولة، في ظل واقع العقوبات الأمريكيّة الخارجة عن القانون الدولي والتي تعوق أي توجهات بهذا الصدد في إطار من الضغط على الدولة والشعب في سورية لتحقيق مكاسب سياسية لمشاريعها في المنطقة، الزلزال الأخير كان رسالة مؤلمة، لكنها أيضاً تحثنا لإيجاد الحلول وعدم التهاون.