لقطات
1
جميلة جداً تلك القصص التي يتم تداولها على صفحات الجدار الأزرق، والتي منها على سبيل المثال، أن ثمة امرأةً كانت خائفة من رد فعل صاحب البيت الذي سيأتي مطالباً بأجرته، وهي لا تمتلك منه ليرة سورية واحدة، وعندما جاء، طلب أن يشرب كأس ماء، وما إن شربها، حتى وضع فيها نقوداً وخاطب المرأة، أن ما وضعه للأولاد، وقد سامحتك بأجرة البيت لسنة كاملة، لأن ابني لم يصب بأذى في حلب من جرّاء الزلزال، ففي مثل هذه القصة وغيرها محفزات للآخرين، لعلنا جميعاً نقتدي بها، فنساعد الآخرين حتى لو لم يكونوا من المنكوبين من الزلزال، وتالياً قد نجد من يجمع هذه الوقائع في كتاب وتمسي عِبَراً للأجيال القادمة تفيدهم في النوائب.
2
مؤلم جداً رحيل الشاب الذي لم نعلم اسمه بعد، والذي جاءت صرخته مثل بيت من شعر، حين أطلقها بعد رحيل أفراد أسرته ودفن جثامينهم، «جميعهم بخير إلاّ أنا»، ونعتقد أنها ستبقى في ذاكرة الناس طويلاً، لكن رحيله رغم أسفنا عليه، لعلّه أكثر راحة له من حياة مملوءة بالألم المستمر نتيجة هذا الكم الهائل من فقدان الأحبة الذي لن يحتمله عقله بعد فترة، فعلى الأغلب قلبه حسم المسألة وصمت! وفي الوجه الآخر للصورة ذاتها تعاطفناً أيضاً بروح متفائلة مع وجوه الذين تم إنقاذهم بعد أكثر من مئة وعشرين ساعة تحت الأنقاض، خاصة الأطفال منهم سواء الذين لايزال ذووهم على قيد الحياة أو الذين رحلوا وتركوهم لرياح القدر.
3
وبمناسبة سيرة الأطفال، ليست وجوه الذين نجوا من كارثة الزلزال ستظل عالقة في ذاكراتنا فقط، بل ووجوه الذين تقدموا لمراكز التبرعات، ليشاركوا بهذه الحملات، فلكل طفل حكاية أطرف من شقيقتها، فطفل يريد أن يساهم ولو بحمل التبرعات، وآخر يريد أن يتبرع بألعابه، وثالث بجزء من ثيابه، ورابع بمصروفه اليومي، ولا يمكننا أن ننسى الطفل اللبناني أيضاً الذي فوجىء من بدأ بفرز التبرعات في مدينة اللاذقية أن الطفل قد تبرع بأغلى ما يملكه، وهي مطمورته (حصالته) وما ادّخر فيها. فكأننا بهم وهم يمارسون أعلى ما يمكن تصوره من سلوك إنساني، يلقوننا دروساً أخلاقية بقيمة معنوية لم نعد نحن الكبار نقوى عليها، لأنانيتنا المُفْرِطة، وتنبيهنا أنها هي منشأ أو مصدر صراعنا كبشر في هذه الحياة.