كيف تظلُّ مبدعاً حتى النهاية؟! الفنان التشكيليّ والموسيقي زهير حضرموت وداعاً

تشرين-سامر الشغري:

أن تكون مبدعاً يعني أن تكون مختلفاً ومتدفقاً وجميلاً، وهذه الشروط الثلاثة نجدها جميعها عند الفنان التشكيلي والموسيقي الراحل زهير حضرموت الذي رسم مئات اللوحات الجميلة وكرس لها أسلوبه الخاص، ولم يتوقف حتى عندما استحكم به المرض العضال، وظل يرسم ويعزف الموسيقا حتى أيامه الأخيرة.

لقد كان زهير سليل المدرسة التشكيلية الحموية التي انطلقت بين ظهراني هذه المدينة الواقعة بين تخوم البادية ووادي العاصي، والتي تأثر فنانوها بطبيعة مدينتهم وتداخل المدينة والريف فيها، فكان أحد تلامذة الفنان سهيل الأحدب رائد التشكيل في حماة، ولكن زهير اختط لنفسه أسلوباً جديداً ومختلفاً ومميزاً.

جل فناني حماة الكلاسيكيين أغرموا برسم طبيعتها وحاراتها، فنجد في لوحاتهم بساتين العاصي ونواعيره وبيوتات المدينة وشرفاتها، مقابل غيابٍ لرسم الشخوص، وقد يكون ذلك مسايرة للنظرة الاجتماعية المحافظة، كما نجد ذلك عند بسام وغسان الصباغ وموفق جمال، ولكن مقابل هؤلاء هنالك فنانون حمويون أخذت بهم الحداثة مداها أمثال حمود شنتوت وإدوار شهدا وصفوان داحول وخزيمة علواني ونشأت الزعبي.

لقد كان زهير وسطياً بين الحداثيين والكلاسيكيين، فرسم الطبيعة على طريقته الخاصة، وهو أسلوب أقرب للانطباعية ولكن بكثافة لونية أكبر مما نجده لدى أنصار هذه المدرسة وبتفاصيل شديدة التنوع ضمن أسلوبية باهرة، وكان للألوان الباردة ولاسيما الأخضر حضور أثير في لوحاته.

المكون الثاني في لوحات زهير كان المرأة، فهي كما رسمها مديدة القوام قوية الملامح وذات جمال شرقي طاغ ومتحكم، فهو لم يقدمها كرمز للحب والخصوبة والجنس، بل هي عنده جزء من الطبيعة والمكون الأقوى فيها.

وخلاف أستاذه الأحدب، فإن زهير الذي تخرج في كلية الفنون الجميلة بدمشق سنة 1974، لم يشغله انهماكه في تدريس الفنون في مركز سهيل الأحدب في حماة الذي تولى رئاسته عقداً من الزمن وغيره من المعاهد والمدارس عن الانهماك في الفن، فنظم لنفسه ستة معارض فردية، وشارك بقوة في المعارض المحلية الجماعية وفي بيناليات بالإمارات وأوكرانيا ولبنان وإسبانيا، وكان العمل الأكثر تأثيراً بين هذه المعارض الفردية والجماعية، هو مجموعة العرس الشعبي التي نفذها خلال معرضه الفردي سنة 1986، واقتنتها وزارة الثقافة بجميع لوحاتها الإحدى والعشرين والتي تروي صوراً من حفلات الزفاف حول العالم برؤيته هو.

هذا الشغف بالفن التشكيلي واكبه أيضاً تعلق بالموسيقا والعزف، لقد كان زهير عازف كمان متمكناً وملحناً جيداً، ولكن موهبته الموسيقية لم تصل للجمهور كما التشكيل، فمنابر لغة العالم لدينا لاتزال محدودة، وهذا ما أدركه هذا الفنان، وهو يجتاز عقده السادس، فأطلق قناة خاصة لليوتيوب ليقدم نتاجه الموسيقي للناس عزفاً وتلحيناً، لكن إقبالهم لم يكن أبداً كما يشتهي.

لقد لحن زهير قبل ثماني سنوات قصيدة للشاعر الحموي الراحل وليد قنباز اسمها (ضاع عمري)، وعزفها معه الموسيقي مراد داوغوم، وهي في الواقع قصيدة غنائية طويلة مدتها (35 دقيقة)، وهذا لعمري كثير على جمهور اليوم الذي يهوى الأغاني الخفيفة القصيرة، ولكن ذلك لا يقلل من قيمة القصيدة التي ظهر فيها تأثر زهير بأسلوب رياض السنباطي في تلحين القصائد الكلاسيكية.

ومن اللافت ايضاً أن زهير ترك لأصدقائه على حسابه الشخصي في الفيسبوك عزفه على الكمان أغنية مستنياك لعزيزة جلال، وكان هذا قبل رحيله بشهرين.

ظل زهير يرسم حتى نهاية العام الحالي، ولكن في لوحاته الأخيرة ظهر تعبه.. لأن عنايته الشديدة بالتفاصيل لم تعد كما السابق، فجنحت أكثر للتعبيرية وبتنوع لوني أقل.

وعن الجانب الموسيقي في إبداع الفنان حضرموت، يقول الموسيقي والباحث مراد داغوم الذي اشتغل معه طويلا:«كان الراحل أستاذاً في الموسيقا كما في التشكيل، وتعرفت عليه منذ بداياتي في السبعينيات وكنت ألاحظ أن له حضور وهيبة في مجالس كبار الموسيقيين، كما أنه عازف كمان ممتاز، وهو أيضاً عازف عود جيد جداً، ويتقن العزف على الأورغ والطبلة والرق، وتسجيلاته على اليوتيوب تشهد له، فقد قام بعزف المقطوعات بكل الآلات بنفسه»

ويخبرنا داغوم أيضاً أن للراحل العديد من الأعمال وليس فقط (ضاع عمري)، فقد نفذ معه ثلاثة ألبومات لمقطوعات موسيقية، قبل أن يشكلا فرقة بقيادة زهير سماها (الفرقة الفيروزية) ضمت ثمانية عازفين.

ويشير داغوم إلى زهد الفنان زهير بالأضواء واقتصار نشاطه الموسيقي على جلسات كان يقيمها كبار الموسيقيين في حماة، إذ لم يعتل خشبة مسرح عام إلا في مناسبات قليلة جداً، لأنه لم يكن يحب الظهور.

لقد مات زهير حضرموت، ولم يسمع قصيدته في إذاعة ولا على مسرح، لذلك، فإن جل ما أتمناه اليوم أن تقدمها إحدى فرقنا الموسيقية إحياء لذكراه بتوزيع يليق بها وبصوت مقتدر، ولعمري هذا أعظم تكريم لأنه كان حلمه الأثير الذي انتظره، ولم يتحقق.

 

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا