«قيصر» طال بشكل مباشر الأمن الغذائي للسوريين.. و قرار تعليقه لم يستثنِ توريد مستلزمات الإنتاج الزراعي
تشرين – ميليا إسبر:
يمكن توصيف سلسلة التأثير للعقوبات غير الشرعية، المفروضة على سورية، بأنها ذات أثر تسلسلي متضاعف على مختلف مناحي حياة جميع المواطنين السوريين من دون استثناء وبشكل سلبي، وطالت القطاع الزراعي كما طالت بقية القطاعات الاقتصادية، إلا أن أثرها على الزراعة حسب ما أكده معاون وزير الزراعة لشؤون السياسات الزراعية الدكتور فايز المقداد في تصريح لـ” تشرين ” يطول بشكل مباشر الاحتياجات الأساسية للمواطنين من حيث الأمن الغذائي، لافتاً إلى أنه في ظل تلك العقوبات استمر القطاع الزراعي بالعمل والإنتاج وتوفير أغلب احتياجات الطلب المحلي على المنتجات الزراعية، إلا أن ثروات البلاد النفطية تسرقها أمريكا وشرذمتها شرق الفرات، وتسيطر هناك على الخزانات الرئيسة لإنتاج القمح وتمنع وصوله إلى السوريين وتقوم بتهريبه للخارج، وفي الوقت نفسه فإن العقوبات المتعلقة بتوريد المشتقات النفطية وعمليات التجارة الدولية بالاستيراد والتصدير والتحويلات المالية، أدت بشكل رئيسي إلى ارتفاع في سعر الصرف، وتالياً فإن ارتفاع معدلات التضخم والأسعار بشكل جامح أدى إلى ضعف قدرة المنتجين الزراعيين على توفير الكميات المناسبة من مدخلات الإنتاج الزراعي، وبشكل أساسي الأسمدة والمحروقات والأعلاف، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وبالتالي ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بالنسبة للمستهلكين.
“التصريح” كاذب
وبين د.المقداد أنه بعد تعرّض سورية لكارثة الزلزال، تداولت وسائل الإعلام الترخيص الأمريكي لوزارة الخزانة الأمريكية، الصادر عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، على أنه “رفع مؤقت للعقوبات المفروضة على سورية لمدة 180 يوماً”، إلا أن البيان المنشور والتصريحات الأمريكية في هذا الشأن تشير إلى غير ذلك، وعند قراءة هذا التصريح سرعان ما يتبيّن حجم التضليل الذي تمارسه الإدارة الأمريكية من خلال وسائل الإعلام المتعاونة معها والتي تدور في فلكها، لتحسين صورتها أمام الرأي العام، وسرعان ما يتضاءل التفاؤل ليصل إلى التفكير في كيفية تأثيره. مشيراً إلى أنه لا أثر متوقعاً لهذا القرار على الزراعة، فلن يساعد على توريد النفط أو الأسمدة أو الآليات والمعدات الحديثة أو غيرها لاستخدامها في الزراعة وتوفيرها بالكميات اللازمة والوقت المناسب، وتالياً تحسين كميات الإنتاج الزراعي للاستخدامات الغذائية وغير الغذائية، وإنما ينصّ القرار على ضرورة التأكد من أن كل التوريدات والتحويلات المالية الناتجة عنه تذهب إلى معالجة أضرار الزلزال ولأغراض إغاثية فقط، وهنا قد يحجم الكثيرون عن تقديم العون والإغاثة لكونهم غير قادرين على إثبات أن هذه المساعدات ستذهب حصراً لهذا الغرض بسبب ما يسمى بـ”الإفراط في الامتثال للعقوبات”.
معاون وزير الزراعة: لايساعد على توريد النفط أو الأسمدة أو الآليات والمعدات الحديثة أو غيرها لاستخدامها في الزراعة
حيث إن الكثير من الدول والمانحين والشركات والبنوك كانت تحجم عن التعامل مع سورية ليس لأن التعاملات المطلوبة ممنوعة بموجب العقوبات، وإنما تجنباً لأي مخاطرة قد تنشأ عن ورود اسم سورية في أي تعامل أو تجارة أو شحنة أو تحويل مالي أو غيرها.
ينطوي على مخاطرة
وذكر د. المقداد أنه لا بد هنا من التمييز بين المساعدات الإغاثية الإنسانية ونوعها، وما إذا كانت تشمل مواد كمولدات الكهرباء والطاقة، وتجهيزات المشافي والمواد الأولية اللازمة لتصنيع الأدوية، والآليات الثقيلة، والتقنيات الحديثة، وقطع غيار قد يمكن استخدامها للطائرات، أو حتى التحويلات المالية أو غيرها من قائمة الممنوعات، فإذا استطاعت جهة ما إثبات أن تلك المواد ذاهبة إلى جهود المساعدة الإغاثية من جراء الزلزال فلن تواجه مشكلات، لكنها لن تتمكن من تقدير النتائج إن لم تستطع إثبات ذلك، لذلك فهي تعتبر أن الأمر لايزال ينطوي على مخاطرة بالنسبة لها في ظل العقوبات، مؤكداً أن ذلك يسري أيضاً على القطاع الزراعي ومستلزمات الإنتاج الزراعي وتطويره، فالقيود المفروضة على التجارة بفعل العقوبات لاتزال تؤدي إلى صعوبات بالغة في استيراد الأسمدة وتأمينها للفلاحين بالكميات والأوقات المناسبة، وهو ما يؤدي بدوره إلى تراجع خصوبة التربة وانخفاض إنتاجية وحدة المساحة، كما أنه نتيجة ارتفاع أسعار هذه المواد وصعوبة توافر كميات كافية منها فقد نشأت سوق سوداء أتاحت وجود أسعار أعلى للأسمدة والمبيدات فيها، ووجود أنواع مهربة لا تخضع للرقابة والمواصفات الموضوعة من قبل وزارة الزراعة لضمان جودتها، وفي حال عدم رفع العقوبات بشكل كامل ستؤدي التخوفات لدى الموردين وشركات الشحن، والصعوبات في التحويلات المالية وتوفير القطع الأجنبي اللازم للاستيراد، إلى انعدام أثر القرار الأمريكي المؤقت على ذلك، لافتاً كذلك إلى وجود صعوبات في توفير احتياج الزراعة من المحروقات لزوم تحضير الأرض، وري المحاصيل،
والحصاد ونقل المنتجات الزراعية لوجهاتها وغيرها من العمليات الزراعية، وأصبح من الصعب تأمين المادة للزراعة بشكل كافٍ في ظل الأولويات المتعددة لتأمينها لباقي القطاعات الحساسة كالمشافي والأفران والنقل وغيرها، وإذا لم يتم رفع العقوبات بشكل كامل سيكون من الصعب على الموردين إثبات أن هذه الشحنات والتحويلات المالية الناتجة عنها تخص المساعدات الإنسانية اللازمة لمعالجة أثر الزلزال، وبالتالي يمكن أن تحدّ بشكل كبير من وجود أي أثر لقرار رفع العقوبات المؤقت على الزراعة.
وبالطريقة نفسها فإن صعوبات استيراد الأعلاف بالكميات الكافية وارتفاع أسعارها وصعوبات تمويلها تؤدي إلى صعوبات كبيرة في توفيرها من قبل مربّي الماشية والدواجن، وليس من المتوقع وجود أثر إيجابي معتبر على هذا الوضع كذلك نظراً لعدم انتفاء الأسباب التي أدت إليه.
ليس رفعاً للعقوبات
معاون وزير الزراعة ختم بالقول: إن ما حصل هو بمثابة رخصة تجيز بعض التعاملات التي كانت متوقفةً على الموافقة المسبقة من وزارة الخزانة الأمريكية، وليس رفعاً للعقوبات كما يتم التداول، وهذه الرخصة محددة بمدة معيّنة وبموضوع معيّن هو معالجة آثار الزلزال والإغاثة، في الوقت الذي لاتزال العملية برمتها غير واضحة وتحتاج إلى مزيد من الوقت للكشف عن آلياتها وكيفية الرقابة عليها، وسيكون من الضروري الانتظار لنرى كيف ستسير الأمور خلال الأشهر الستة القادمة وكيف ستتعامل وتتفاعل معها الأطراف المعنية.