جسور عبور فوق الأنقاض محمّلة بالخير والحب.. قوافل الإنسانية لا تتوقف إلى حلب واللاذقية وحماة
تشرين – رشا عيسى:
شكّلت المبادرات المجتمعية منذ حدوث الكارثة جسر عبور إلى المناطق المنكوبة لتتجاوز المساعدات المتنوعة بأهدافها، واللهفة التي حمّلتها مفهوم الإغاثة العام والمتداول، ولتصل إلى أسمى أهداف الخير والإحساس بألم المنكوبين، في وحدة لم تتمكن الحرب الإرهابية التي استمرت 12 عاماً ضد السوريين من تمزيقها، لتؤكد الكارثة أن الجرح عميق والوجع واحد.
تتزاحم المبادرات التي تؤكد أن الأرواح لا تزال مشبعة بالإنسانية ودورها بات أساسياً لمساندة الجهود الرسمية في خطة الإنقاذ المستمرة، ورغم الوضع المعيشي الصّعب الذي يعانيه الجميع بسبب الحصار والغلاء وصدمة الزلزال مؤخراً، لكن ما إن تصل قافلة حتى تنطلق أخرى من كل المحافظات باتجاه المحافظات المنكوبة في أسوأ حدث من هذا النوع تشهده بلادنا.
ومع مرور الوقت يتكشف أكثر حجم الفاجعة التي خلّفها الزلزال، وتزداد الاحتياجات، ويعمل المتطوعون والمبادرون من مختلف القطاعات على تلبية ما يمكن من هذه الاحتياجات والتخفيف من أهوال الكارثة.
الجهود الخيّرة
رأت الباحثة في القضايا التربوية والاجتماعية الدكتورة سلوى شعبان في حديث لـ« تشرين» أنه كلما كان التنسيق الإداري لهذه المبادرات بشكل حازم ومنظّم، كان دورها فعالاً أكثر ومعطاء أكثر ويلبي حاجة المجتمع، فالتطوع والانضمام ضمن أعضاء هذه المبادرات من جميع الأفراد والشرائح العمرية يقوّيان وجودها ويغنيان التنوع العمري والثقافي فيها، مع استيعاب كل المشكلات والصعوبات وإيجاد الحلول بالاستفادة من التجارب والدروس، فالتطوع تلقائي من روحٍ ترى في الخير حياةً، وفي المساعدة جرهرَ هذه الحياة.
وبيّنت شعبان أنه مادامت المبادرات المجتمعية والمحلية هي تلك الجهود الخيّرة المقدمة من أشخاص يعشقون الوطن ويحبونه وهم متأهبون دائماً لتقديم كل مساعدة ولأنهم مبادرون، فأرواحهم مشبعة بالإنسانية والشهامة والحرص على مسح أوجاع الآخرين والتخفيف من آلامهم، هذه هي صفات السوريين الذين توحدوا على الخير دائماً، وتغلّبوا على المحن والصعاب.. فكانوا المثال الأوضح عندما وقع هذا الزلزال العنيف بغيرتهم وشهامتهم غير المسبوقة وبالإمكانات الفردية والتلقائية منذ اللحظة الأولى.
سند للمجهود الحكومي
هذه المبادرات وصلت إلى الأحياء والمناطق المنكوبة وبالتسابق فيما بينها دخلت مباشرة مكان الحدث بين الركام والدمار، وتواصلت مع الجهات الرسمية لتكون السند والدعم للجهات الحكومية في تقديم المساعدات الغذائية والطبية ولوازم مراكز اليواء كلها.. فدورها لا يقلّ شأناً في تحمل المسؤولية ومعرفة المطلوب منها عن بقية الهيئات والمؤسسات الداعمة.. فهؤلاء المصابون هم أهلٌ وأقارب وأصدقاء
الوجع واحد والجرح واحد والجسد الأم ينزف، فجهود هذه المبادرات هي بلسم لهذا الجرح وترميم للنزف الحاصل، ووجودهم بين الناس يعيد لمن ابتلوا بهذا المصاب ثقتهم بأنفسهم وبالمحبة والإنسانية التي تجمع الجميع وتقول لهم: إنّ هناك من شعر بجرحكم ووجعكم وهو مصمم ليكون معكم، وتبرهن لهم بأننا دائماً بحاجة بعضنا بعضاً، ودائماً نحن جسد واحد لا يتجزأ عبر الجغرافيا السورية من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، مع كل مدينة وقرية سورية.
كما أثبتت المبادرات أن ما عشناه في فترة الحرب من تهجير وفرقة وموت وألم لم تؤثر في تركيبة مجتمعنا السوري المشهود له بالحب والتعاضد والمشاركة والتلاحم الحقيقي، بفضل من سعوا دائماً لدحض كل المراهنات التي حاولت النيل منا.
لذلك معظم المبادرات وجدناها ناجحة ومثمرة، وقودها حبُّ الوطن والشعب، وحصادُها الاستمرارية والنجاة والنهوض من جديد عند كل مصيبة تلمُّ بنا.
اختبار لإنسانيتنا
من جهتها السيدة عبير، التي فتحت بهو بيتها في دمشق ليكون مركزاً لتجميع المساعدات التي شهدت هبّة إنسانية كبيرة من المجتمع الدمشقي لتقديم العون إلى حلب واللاذقية وحماة.. تقول لـ«تشرين»: لا يمكن البقاء بمنأى عما يجري في بلدنا، فالمصيبة أكبر من مجرد تعاطف، وتحتاج إلى العمل ميدانياً وكل حسب استطاعته، ولا توجد استثناءات لتقديم المساعدة، بل توجيه مفاعيلها إنسانياً لخدمة إخواننا المنكوبين.
إنّ الزلزال اختبار لإنسانيتنا.. بهذه الكلمات افتتح السيد محمد حديثه لـ«تشرين» الذي بدوره فتح كراج منزله ليكون مقراً لتجميع المساعدات سواء من الجيران أو من التجار الذين يجاورونه.. يشعر محمد بالرضا لتقديمه جزءاً بسيطاً من المساعدة في هذا الظرف الاستثنائي الذي بات فيه تقديم الإغاثة ضرورة ملحّة و واجباً إنسانياً وأخوياً.
وابل الخير لأهل الخير
التحركات الإغاثية الواسعة والاستجابة السريعة التي كان قسمها الأكبر عفوياً وصفتها السيدة هند بوابل الخير لأهل الخير في المحافظات التي تعرضت للكارثة.
هند المتطوعة في إحدى الجمعيات التي تعمل على جمع المساعدات المادية والعينية عبّرت عن انبهارها بالاندفاع الكبير من العوائل للمساعدة على تجاوز المحنة مع تكشف الكثير من الحالات المفجعة، مؤكدة أن المسافات التي تقطعها القلوب ولا تدري الأقدام بها أكثر بلاغة وتعاضداً.