كضوء قمرٍ وقد نام الجميع!
كمن يقتلعُ طفلاً من نومهِ، ليذهب إلى المدرسة، أو لحضورِ محاضرة خاصة بالأطفال في “المركز الثقافي العربي”، هكذا يقسو الشعراء على القصيدة، بتحميلها أوزاراً ليست لها، أو فوقَ طاقتها، عندما يكدسون على ظهرها أفكاراً والتزامات لا تتسع لها تلك المساحة.. هنا حيث يستخدم الشعراء القصيدة، تماماً كما يستخدم عديمو الشفقة الأطفال في أعمالٍ فوق طاقتهم، عندما يذهبون بها صوب الذهنية الجافة، ويخلصونها من كل بريتها وعفويتها، بالترويض الشديد كما يُروّضُ صبي الورشة.
يقسو الشعراء على القصيدة، عندما يقسرونها على المنبرية والخطابية، وإلقائها في وجه قلة حضروا، ومن ثم تمّ خدش حيائهم العام، يقسو الشعراء على القصيدة عندما يبطحونها لنيلِ جائزةٍ ما، أو لنيلٍ أقرب لـ«الكرتونة» من جمعية أو مجموعة غير معروفة. أو لتجعل من صاحبها «أميراً» من الكرتون، تُصفقُ له أمه وخالاته والأعمام، وجمهور القبيلة..
يقسو الشعراء على القصيدة عندما يشحنونها إلى مهرجانات أسواق الهال الثقافية، حيث تتداخل مع حفلات الفطور والعشاء وشرب الشاي.. هناك حيث يستعرضونها، كما كانت تُستعرض الجواري في أسواق النخاسة.. لمن تتلون «كلماتكم» التي أخرجتموها من عزلتها، ورحتم تحركون أيديكم ورقابكم، حيث تُنثر مع رذاذ لعابكم المتطاير بكل اتجاه، وأنتم تتعمشقون بالميكرفون؟! ماذا يريد هذا الشاعر الواقف أمام هذه القلة الجالسة التي لا تسمع شيئاً، وكأن الأمر زوبعة عجاج؟!
يقسو الشعراء عندما يحمّلون القصيدة رسائلَ سياسية واجتماعية واقتصادية، ووعظية أيضاً، وهي كنصٍّ مُعاصر لا تتحمل أن تكون أداةً لأحد.. فالقصيدة أداة نفسها، هي وحدها لعزلتها لشأنها الجمالي الخاص، القصيدة هي نسمة الصباح قبل أن يستيقظ الفلاحون، القصيدة هي العتمة، أو ضوء القمر وقد نام الجميع.
كل ما يُحملونه لمتن القصيدة ليس لها، وليس من شأنها توصيله، كل تلك الأغراض والأحمال والحمولات هي لغيرها، هي لا تستطيع أن تكون أكثر من شجرة بعيدة، أو ساقية، أو عين ماء، أما كل تلك الاحتفاليات، فلا تعنيها، ولذلك فشل الشعراء القساة معها، وتوهج فيها ومعها كل من تعامل معها بهذه البراءة الخالصة والصافية.
هامش:
……..
وأنتِ
تُبدين كزنبقِ الصباح؛
أصيرُ أنا،
كمن صُبَّ عليه
دلوٌ من الفرح…
ويُمسي للحواسِ مهماتٌ أخرى
غيرَ ما اعتادتْ عليه؛
كأن أبصرُ ولا أرى،
أو أتركُ للأذن
أن تعشق كلَّ “الأحيانَ”..