تسقيف سعر برميل النفط الروسي وحكمة جحا!

أ.د: حيان أحمد سلمان:

صدر قرار تسقيف سعر النفط الروسي المنقول بحراً من قبل الدول الغربية [الاتحاد الأوربي ودول السبع الصناعية وأستراليا وأمريكا وكندا واليابان وبريطانيا ] بتاريخ 4/12/2022 ، وتضمن تحديد السعر /60/ دولاراً وإضافة هامش محدد /5%/  في حال انخفض عن ذلك، وبدأ  تنفيذ القرار في اليوم الثاني أي  5/12/2022 على أن تتم مراجعة تداعياته كل شهرين!

والتزمت شركات هذه الدول من ( نقل وتأمين وإعادة التأمين والشحن والخدمات التابعة لها) وهي تسيطر على أكثر من /90%/ من عمليات نقل النفط  العالمية بتنفيذ القرار مباشرة، والهدف هو ممارسة ضغوط إضافية على روسيا وتقليل إيراداتها النفطية، وهنا نسأل ووفقا لمبادئ التحليل الاقتصادي الهادئ والهادف: أين مبادئ منظمة التجارة العالمية ( WTO) حول عدم التدخل بالأسعار وتركها لقوى العرض والطلب؟

قد يكون الجواب بأن هذه الدول تمتلك الحرية في فرض إرادتها الاقتصادية وضمن أراضيها اعتماداً على المواثيق الدولية وخاصة المادة التي تقول: (إن قانون المعاهدات الدولية يعتبر أن أي اتفاق ثنائي أقوى من الاتفاقيات العامة انطلاقاً من مبدأ قانوني وهو أن الاتفاق الخاص يوقف ويعرقل الاتفاق العام )، وهذا صحيح لكنه يمهد لسؤال آخر، وهو: من سيلزم الدول الأخرى بالالتزام بهذا القرار وخاصة الدول المستوردة للنفط الروسي ( الصين والهند وتركيا ) وغيرها ولها مصلحة في استيراد النفط الروسي بسبب قربها الجغرافي وانخفاض سعره مع سعر الدول الأخرى المنتجة؟ وهي تستورد يومياً من النفط الخام أكثر بأضعاف كثيرة مما تصدره روسيا إلى الدول الغربية، فمثلاً تشتري الصين يوميا /2/ مليون برميل نفط خام من السعودية ويمكن تأمينها من روسيا التي تصدر /2،5/ مليون برميل إلى كل الأسواق الأوروبية مجتمعة؟ وهذا يعني أن الدول الأوروبية ستشتري النفط من مصادر أخرى بأسعار أعلى كما يحصل الآن في سلعة الغاز والمواد الغذائية وقد تتجاوز أربعة أضعاف أي /400%/ وسيكون المستهلك الأوروبي هو الضحية الأولى، والمستفيد هو الشركات الأمريكية التي ستحقق أرباحاً كبيرة على حساب المستهلك الأوروبي، وسيؤدي إلى زيادة  حالة

(عدم اليقين ) على الاقتصاد العالمي مترافقة مع فوضى اقتصادية كبيرة لم يشهدها العالم منذ أزمة الكساد الكبير سنة /1929/.

بينما كان بالإمكان للقارة العجوز تأمين حوامل الطاقة من جارتها روسيا إذا رفضت الإملاءات الأمريكية، وكان على خبراء الاقتصاد الأوروبيين أن يعملوا كما عمل ( جحا ) وهو شخصية تراثية محبوبة في مجتمعنا ومعروف بنوادره الجميلة، ويروى أنه [ كان للسيد جحا صديق يعمل بائعاً للكتب وأراد أن يصنع ختماً له، وذهب إلى أكبر المصنعين في السوق، فقال له: سأصنع لك الختم ولكن كل حرف سيكلفك ديناراً، فتراجع التاجر لأنه لايملك إلا دينارين واسمه مؤلف من /3/ أحرف، فلجأ إلى صديقه

(جحا) وروى له ماحصل معه، فقال له جحا هيا بنا إلى صانع الأختام، وقال جحا للصانع: أريد ختماً فقال له كما قال لصديق جحا، فقال له جحا: أنا موافق، فسأله الصانع ما اسمك فقال له ( خس) فقال الصانع هذا يكلف دينارين فقال جحا: موافق وبدأ الصانع بصنع الختم وعندما وصل إلى ( النقطة ) قال له جحا رجاء ضعها في آخر الكلمة فقال الصانع هل اسمك ( حسن ) قال جحا: نعم هو اسم صديقي وهذان الديناران لك، وهكذا استطاع جحا بذكائه وخبرته مساعدة صديقه التاجر].

ارتفاع أسعار النفط سيساهم في زيادة الأسعار و معدل التضخم وتوقيف عمل  الكثير من المنشآت الاقتصادية وزيادة معدل البطالة ومعاناة الأوروبيين من نقص التدفئة ما قد يسبب اضطرابات اجتماعية وسياسية، وقد تسيطر القوى اليمينية على مقاليد الحكم الأوروبية مستغلة تراجع المستوى المعيشي الأوروبي، أفليس من الحكمة الاقتصادية تأمين السلع بأقل تكلفة؟ أما إذا كان الرهان على زيادة الضغوط على روسيا من خلال هذا القرار، فتؤكد المعلومات الغربية أن روسيا بدأت تصدر نفطها إلى أسواق أخرى، وكمحاكمة اقتصادية عقلانية تتجسد في أن روسيا تمتلك بحدود /10%/ من النفط الخام العالمي و/20%/ من حوامل الطاقة ( نفط وغاز ) وتمتلك ثالث أكبر احتياطي نفط في العالم /80/ مليار برميل وتعد خامس أكبر منتج له بحوالي /11/ مليون برميل يومياً يصدر نصفها نحو الخارج وبالتالي هي قادرة على التأثير على الأسواق العالمية، وأن تكلفة إنتاج برميل النفط الروسي بحدود /20/ دولاراً وفي حال بيعه بسعر /60/ دولاراً حسب القرار الغربي  فإن هذا يعني أن روسيا تحقق ربحاً قدره /40/ دولاراً في كل برميل أي /300%/ وهو أيضاً قريب من السعر المحدد في القرار الغربي لذلك سيكون تأثير هذا القرار محدوداً جداً ولكنه سينعكس سلباً على الأوروبيين وهو نقطة ضعف لا قوة لهم ويمكن القول إنه (هدية مجانية لروسيا من أعدائها)، كما أن روسيا دولة فاعلة في مجموعة دول (أوبك بلاس+ ) التي رفضت القرار الغربي وهي المورد الأكبر للنفط فيالعالم،ومن هنا نستغرب تصريح السيدة

(أورسولا فون دير لاين ) رئيسة المفوضية الأوروبية أن القرار الغربي  (سيساهم في استقرار أسواق الطاقة العالمية وسيفيد بشكل مباشر الاقتصادات الناشئة والدول النامية) لأنه سيمنع روسيا من تسويق سلعتها وستلجأ إلى تخفيض السعر لكن واقعياً فإن روسيا سوقت كامل إنتاجها وارتفعت أسعار النفط العالمية مباشرة، وتؤكد المعلومات أن الشركات الأمريكية هي المستفيد الأول من ذلك كما تستفيد  من ارتفاع أسعار  الغاز والسلع الغذائية حالياً مستغلة ارتفاع الأسعار العالمية، وسيؤدي هذا إلى زيادة الضغوط المعيشية وستستفيد أمريكا فقط لأنها  تنتج بحدود /16/ مليون برميل يومياً وستزداد القوة التنافسية الأمريكية في السوق الأوروبية، وسيؤدي إلى زيادة تبعية أوروبا لأمريكا وتسخير موارد القارة العجوز لصالح الاقتصاد الأمريكي وعلى حساب المستهلك الأوروبي، فهل يتعظ السياسيون الأوروبيون بحكمة ( جحا )  بتأمين السلعة بأقل تكلفة ممكنة ؟!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
اتحاد الكتاب "فرع اللاذقية" يحيي مع مؤسسة أرض الشام ندوة عن المرأة السورية ندوة فكرية ثقافية عن "النقد والنقد الإعلامي" في ثقافي أبو رمانة السفير الضحاك: سياسات الغرب العدائية أضرت بقدرة الأمم المتحدة على تنفيذ مشاريع التعافي المبكر ودعم الشعب السوري مؤتمر جمعية عمومية القدم لم يأتِ بجديد بغياب مندوبي الأندية... والتصويت على لا شيء! الرئيس الأسد يؤكد خلال لقائه خاجي عمق العلاقات بين سورية وإيران وزير الداخلية أمام مؤتمر بغداد الدولي لمكافحة المخدرات: سورية تضطلع بدور فعال في مكافحة المخدرات ومنفتحة للتعاون مع الجميع الرئيس الأسد يؤكد لوفد اتحاد المهندسين العرب على الدور الاجتماعي والتنموي للمنظمات والاتحادات العربية عقب لقائه الوزير المقداد.. أصغير خاجي: طهران تدعم مسار الحوار السياسي بين سورية وتركيا العلاقات السورية- الروسية تزدهر في عامها الـ٨٠ رئاسيات أميركا ومعيارا الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي.. ترامب أكثر اطمئناناً بانتظار البديل الديمقراطي «الضعيف».. وهاريس الأوفر حظاً لكن المفاجآت تبقى قائمة