خيار بديل للخروج من أزمات «السوق والصندوق».. وخبراء يؤيدون الفكرة ولايتفاءلون بقبولها..
فضلية: تطبيقها على أرض الواقع قد لا يكون ممكناً بصورة مُرضية أو كافية لعدة أسباب أيوب: هناك فرص كبيرة للمقايضة لكنها ممنوعة!
تشرين – باسم المحمد:
أعلنت الجهات العامة، منذ بداية الأزمة، عن خوض العديد من المحادثات التجارية مع دول صديقة، بهدف مقايضة البضائع لتجاوز العقوبات والقيود المالية التي تحول دون الاستيراد، إلا أن النتائج كانت خجولة قياساً بالكميات المصدرة أو المستوردة وفقاً لنظام المقايضة، وعلى سبيل المثال تم الاتفاق سابقاً مع الجمهوية الإسلامية الإيرانية على مقايضة العدس وزيت الزيتون السوريين بزيت عبّاد الشمس الإيراني.
وفي أكثر من مرة أعلنت وزارة الاقتصاد عن وجود خطة للعمل على عقد اتفاقيات مقايضة للمنتجات الفائضة وبحاجة إلى تصدير، مع المواد التي تحتاجها سورية مع الدول الصديقة من دون تحويل الأموال، وذلك بهدف تأمين متطلبات الإنتاج للمواد الضرورية غير المتوفرة محلياً وتصريف فوائض الإنتاج.
ورغم ذلك لم يتم تفعيل هذا النظام بشكل جدي، وترك الأمر للمبادلات التجارية التقليدية (استيراداً وتصديراً) لتستمر عمليات تصدير المواد الخام الخالية من أي إضافات يمكنها أن تزيد من عوائدنا الاقتصادية سواء في التجارة الخارجية، أم في مكونات اقتصادنا وعلى رأسها التشغيل وتوفير فرص العمل، وتحقيق أسعار مجزية للفلاحين تعوضهم عن تعبهم بسب إغراق السوق المحلية بمنتجاتهم لعدم وجود تصريف لها.
في كل عام ومع بداية مواسم الخضراوات والزيتون والحمضيات والتفاح وغيرها الكثير، تبدأ دوامة خسائر المزارعين، والحديث عن قيام “السورية للتجارة” باستجرار ما أمكنها لكن “العين بصيرة واليد قصيرة”، لتأتي بعدها مرحلة السماح بتصدير بعض الفوائض، ونسيان ما أعلن سابقاً عن فوائد المقايضة؟!
نظام المقايضة
نظام المقايضة، نظرياً، هو مبادلة السلع والمواد الفائضة لدى دولة ما بسلع ومواد دولة أخرى من دون استعمالِ وسيلة تبادل نقدية كالمال، ويكون بين دولتين أو أكثر، ويشترط فيه عدة شروط، أولها توافق الرغبات، أي إن عارض السلعة يجد طلباً عليها، ويملك سلعة يكون هو بحاجة إليها، أما الشرط الثاني فهو الاتفاق على نسبة تبادل السلع، وأن تكون المادة قابلة للتخزين والتداول لفترة من الزمن.
مستحسن نظرياً
الدكتور عابد فضلية بيّن أنه بالنسبة لمبدأ مقايضة زيت الزيتون أو غيره من السلع مع دول أخرى مقابل الحصول على بديل عنها، هو أمر ممكن ومستحسن نظرياً، وخاصة في الظروف السياسية والاقتصادية العادية والطبيعية، إلا أن تطبيقها على أرض الواقع لا يتم، وقد لا يكون ممكناً بصورة مُرضية أو كافية، لعدة أسباب، يتعلق أهمها بالخلل الذي يكتنف العلاقات الاقتصادية الدولية حالياً، نتيجة للحصار والعقوبات والتدخلات الخارجية الدولية، الأمر الذي قد يؤدي إلى حالة من تضارب المصالح وعدم التأكد، ويجعل إمكانية الالتزام بعقود التوريدات الصادرة والواردة أمراً صعباً. . حتى إن تطبيق بعض الاتفاقيات الاقتصادية الدولية الثنائية أو المتعددة الأطراف قد لا يكون ممكناً، أو ليس مرغوباً أو متعذراً في أحيان أخرى، بسبب تغير وتعقد الظروف الاقتصادية الداخلية أو الخارجية الإقليمية والدولية في سورية وفي غيرها من الدول الأخرى الشريكة والمرشحة للتبادل بالمقايضة، وحتى باتفاقيات التسديد النقدي، كما هو الأمر على سبيل في مسألة مقايضة الزيت السوري وسلع سورية أخرى مقابل النفط أو الغاز الإيراني أو الروسي أو الجزائري والفنزويلي.
والأمر نفسه ينطبق على القطاع الخاص لدى جانبي التبادل حسب اتفاقية الطرفين، وتكون إمكانية تنفيذ الصفقات أكبر بالمقارنة بما هو الأمر بين الجهات الحكومية لدى الطرفين، للأسباب التي ذكرناها آنفاً، باعتبار أن هذا القطاع على الأقل مستثنى في الكثير من الحالات من ممارسات الحصار ومطارح العقوبات، إلا أن نجاح القطاع الخاص في اللجوء إلى المقايضة يتطلب تنسيقاً ودعماً من الجهات الرسمية والحكومية لدى الجانبين، وذلك عن طريق تقديم الضمانات المالية للطرف الرسمي والخاص الآخر، وكذلك عن طريق الاتفاق والتنظيم الرسمي لإجراء المقايضة، بحيث يتم فتح حسابات بنكية مقدرة بالقيم النقدية للصادرات والواردات، كما يتعلق نجاح عمليات المقايضة السلعية بصورة عامة بإدارة وتطوير الأفق الاقتصادي التبادلي للقطاع الخاص في كلا البلدين، وبمدى الجهود والدعم الذي يمكن أن تلعبه التنظيمات النقابية للقطاع الخاص، ومدى قدرة وفاعلية مبادرات مجالس رجال الأعمال المحلية والدولية، علماً أن اللجوء إلى المقايضة أصبح اليوم أكثر ضرورة ونفعاً للتبادلات السلعية الدولية في الفترة الحالية بل أكثر من أي وقت مضى، وبالتالي لا بد من من مبادرة خلاقة في هذا الإطار.
قرار سبب فوضى
ونوه فضلية، خلال حديثه عن تصدير فائض زيت الزيتون، بأن سورية تنتج سنوياً حوالي 130-150 ألف طن في سنوات المعاومة أو الوفرة، وهي كمية تزيد على متوسط الاحتياجات المحلية السنوية بما لا يقل عن 40-60 ألف طن، وتوزع هذه الكمية ما بين التصدير والتخزين للعام التالي (سنة القلة)، لذلك فإن السماح بتصدير 45 ألف طن من الموسم الحالي هو قرار صائب من حيث المبدأ، ولكنه قد يكون خاطئاً بطريقة إعلانه وإعلامه، حيث لا ضرورة للإعلان عن هذه الكمية القصوى التي سيسمح بتصديرها على الملأ في أول موسم إنتاج الزيت، الأمر الذي تسبب بفوضى وممارسات احتكارية عشوائية ارتجالية في السوق، بل كان لازماً أن تطلب وزارة الاقتصاد من المصدرين التقدم بطلبات على الكميات التي تراها مناسبة (من دون الإعلان عن الحد الأقصى المسموح بتصديره).
لا توجد رغبة
الدكتور مجد أيوب عضو مجلس غرفة دمشق ومجلس اتحاد الغرف الزراعية في إجابته عن سؤال «تشرين» حول إمكانية المقايضة، أوضح أننا عندما نتحدث عن التصدير لا يجوز أن تقول فائضاً، فلا أحد يرغب بشراء ما هو زائد لديك ولست بحاجة إليه، لذلك أولاً يجب أن تجد من يرغب في التعامل معك بالمقايضة، بعد ذلك يمكن الحديث عن الاستغناء عن التجار، لكن هؤلاء مرتبطون بشكل أو آخر ببعض الموظفين في الدوائر التنفيذية، والطرفان ليست لديهما المصلحة بالمقايضة .
وأوضح أيوب أنه تم الحديث سابقاً مع وزير الزراعة المصري لمقايضة التفاح السوري بالأرز المصري، وعند عرض الموضوع خلال اجتماع خاص كان الرفض قطعياً، بحجة أنه لا يمكن أن نسمح لتاجر الأرز الهندي أو الأميركي أو غيره بأن يسيطر ونمنع تاجر الأرز المصري من العمل، مشيراً إلى وجود الكثير من المواد الزراعية القابلة للمقايضة أو المتاجرة غير الأصناف التي يتحدثون عنها من دون نتيجة مثل الحمضيات والتفاح، أو حتى زيت الزيتون، فهناك على سبيل المثال اليانسون والكمون والنباتات العطرية وخاصة إذا تم استخراج مركزاتها.
ولفت أيوب إلى أن غرفة زراعة دمشق بذلت جهوداً مضنية لإعادة السماح بتصدير العسل الذي كان موقوفاً من بعض الموظفين الصغار ولمصلحة تجار معينين.
وتساءل أيوب: ما معنى القول بأن القطاع الخاص لديه مرونة أكثر من القطاع العام بسبب العقوبات؟ داعياً إلى الابتعاد عن هذه الشماعة، فالبلد مليء بالسيارات المستوردة وكثير من المواد كمعدات الطاقة الشمسية والبطاريات ولوازمها والدراجات النارية.
وفي رأي أيوب ليست هناك مشكلة مع التاجر المستورد للأرز أو المصدر للتفاح، لكن المشكلة في عدم وجدود منافسة حرة، وهناك حصر لبعض النشاطات بشخص أو اثنين، وعندما نتحدث عن تصدير زيت الزيتون على سبيل المثال يوجد شخص واحد معروف يمكنه فقط أن يقوم بالتصدير؟ وأيضاً مسموح باستيراد الأعلاف لكنّ هناك تاجرين أو ثلاثة فقط يستوردونه، والباقي ممن يقدمون طلبات استيراد لا يمكنهم ذلك، والنتيجة أن سعر طن العلف في لبنان أقل بـ٣٠% من سعره في سورية.
وختم أيوب بتأكيده وجود إمكانيات كبيرة للمقايضة لاسيما مع الدول العربية بسبب تنوع الإنتاج فيها مثل السودان الناجحة في زراعة النباتات الزيتية، لكن يجب أن يوجه السؤال إلى من يعطون الموافقات بالمقايضة: هل هذا ممكن؟.