«الدلبة المعمرة» منذ أكثر من ٥٠٠ عام في مشتى الحلو تنازع على البقاء حارسة للأرواح الطيبة
حمص- هالة الحلو:
في الوقت الذي تتعرض فيه كل أشجار سورية تقريباً للتعديات من قطع وحرق وقلع وغير ذلك، وخاصة من المتاجرين بكل تفاصيل عيش وحياة السوريين.. يعمد المجتمع الأهلي في مشتى الحلو لفعل كل ما يستطيعه للحفاظ على شجرة الدلبة العملاقة التي يزيد عمرها على ٥٠٠ عام، والتي يعرفها كل من يعرف “مشتى الحلو”، فهي تكاد تكون إحدى أيقونات ورموز هذه البلدة الجميلة، فقد سميت الساحة حيث تقع باسمها، وكذلك المقهى المجاور، ونبع المياه العذبة والسوق والحارة، ومنذ تسع سنوات أقام الأهالي مهرجاناً سنوياً حمل اسم “مهرجان دلبة مشتى الحلو للثقافة والفنون”، وبذلك صار للبلدة مهرجانان سنويان.. “السيدة” و”الدلبة”.
لكن..مالذي أصاب هذه الشجرة وما الذي هدد ويهدد وجودها ومعه ذاكرة وذكريات المنطقة؟
حسب الأهالي فإن حصار هذه الشجرة بالأسمنت من مبان ومحلات وجسر عبور إلخ.. وتلوث مجرى مياه النبع.. كل ذلك أدى إلى اعتلالها وفقدان قسم كبير منها وتناقص كثافتها إلى حدٍّ كبير.
مدير” الملتقى الثقافي العائلي” في مشتى الحلو المحامي وائل صباغ، الجار الدائم لهذه الشجرة منذ طفولته الذي كان يرى فيها جارته الجميلة الغامضة وحارسة الأرواح وأجمل غيمة خضراء على الإطلاق، حدثنا بالتالي: سقط أحد جذوعها الضخمة منذ ٢٦ عاماً، ومن ثم حدث السقوط الضخم الثاني في العام ٢٠١٣، ومن هنا كانت البداية.. إذ شكل بعض أبناء البلدة فريق إنقاذ لها تحت اسم “أصدقاء الدلبة”، وبناء على مناشدتهم وزارة الزراعة للتدخل، تم إرسال لجنة لمعاينة الشجرة وذلك في ٢١ حزيران من العام ٢٠١٧، لكن على أرض الواقع لم يحدث أي شيء، وكي لا تخرج الأمور عن السيطرة عمد الأهالي أو بدؤوا في رحلة العلاج وبجهود ذاتية وبإمكانات أعضاء “الملتقى” والمتطوعين، وذلك من خلال الاستعانة بخبراء زراعيين والتطبيق المستمر للبروتوكول العلاجي لمعالجة ما أصابها من فطور وعفن وحالة إسفنجية في داخلها، ويتنوع العلاج مابين تقليم وتسميد عضوي وكيميائي، وتغيير الحوض الحديدي المحيط بها واستبداله بآخر، ومد خط مياه لسقايتها وخاصة في فصل الصيف، وتأمين مرش آلي للأسمدة والأدوية والمبيدات، ودفع كل التكاليف المرتفعة المترتبة على ذلك والمقدرة بالملايين.
لم يقتصر الأمر على الدعم المادي، بل تعداه إلى دعم من نوع آخر نابع من محبتهم لهذه الشجرة ولبلدتهم.
ويتابع المحامي وائل صباغ حديثه: تأسس ملتقى مشتى الحلو الثقافي العائلي في العام ٢٠١٣، وذلك إثر سقوط ذلك الفرع الضخم وأيضاً تم تشكيل نادي “أصدقاء الدلبة”، وإقامة مهرجان سنوي حمل اسمها وازداد زخماً عاماً بعد آخر بفعاليات متنوعة من ملتقى سنوي دائم للنحت (وقد قام النحات علاء محمد بصنع منحوتة الولادة من ذلك الجذع الضخم الذي سقط في العام ٢٠١٣ كرمز لانتصار الحياة على الموت) إضافة إلى حفلات موسيقية ومعارض وعروض سينمائية وأنشطة رياضية وغيرها، وذلك اعتماداً شبه كامل على جهود أعضاء الملتقى والمتطوعين فيه.
أما “الملتقى” فيحفل على مدار العام بالأمسيات الشعرية والموسيقية والغنائية وبالندوات الفكرية والمعارض والأنشطة البيئية ودورات الرسم والموسيقا، كما أسس فرقة مسرحية ونادياً للتصوير الضوئي وآخر للسينما ومشغلاً لصناعة الخزف.
كل ذلك حدث، من وحي ما أصاب هذه الدلبة، وذلك كي تبقى حارسة للأرواح الطيبة في مشتى الحلو، هذه البلدة الجميلة التي احتضنت كل المكونات السورية ومن كل المدن وخاصة خلال السنوات الست الأولى من بداية الأحداث في سورية.