وقفت السيدة وحيدةً تحت مصابيح مشعّة على المسرح الصغير، وهو ليس بمسرح عروض بل مكان يشرف على مقاعد منتظمة لا تتجاوز مئة وكلُّها مشغولة بجلّاسها الصامتين ربما من هيبة المكان وهيبة المناسبة، وربما كلُّ ذهن يسترد غزيرَ الذكريات مع هذه السيدة التي لم يطُل وقوفُها إذ صعد السيد رئيس الجمهورية لتقليدها وسامَ “أمية الوطني ذي الرّصيعة”!
بعيداً عن المكان! بعيداً عن تأمل الثريّات المعلقة تشعّ كأنها في بيوت دمشق القديمة ولإثارة هذا الشعور كان هناك أيضاً شبّاكان خشبيان على جداري القاعة، لا يفضيان إلى سماء بل إلى أحاسيس هي الأخرى تلتمس خيطاً إلى سرّ تسمية الوسام بحقبة من تاريخ بلاد الشام يومَ كانت دمشق درّةَ العواصم وما زالت! أُحدِث وسامُ أميّة الوطني بناءً على دستور عام 1930 من خلال المرسوم الاشتراعي رقم /49/ لعام 1943، وسُمي “أمية” تخليداً في ذهن الأمة لذكرى الأعمال المدنية والعسكرية التي قامت بها الأسرة الأموية، وفي ذات اللحظة كان السيد الرئيس يقلّد عنق السيدة بالوسام ويضع “الرصيعة” على صدرها من الجهة اليمنى حسب تقاليد منح الوسام والفضول يدفعني لرؤية تلك “الرصيعة” النادرة بشكلها ومعناها (ما أكثر قطع المجوهرات في القصور وعند الأثرياء وأسواق الصّاغة وما أغلاها، لكن هذه الرصيعة شيء آخر)! هنا نجمة ثُمانيّة من معدن “المينا” الأخضر والأبيض مزدانة بنقوش عربية تتوسطها كلمة “أمية” محاطةً بخطوط فضّية متساوية الأطراف على ثلاثة منها نجومٌ حمراء تعبّر عن الثورات الثلاث ضد المحتل الفرنسي!
طربتُ، ليس لألحان الكمان التي كانت تعزفها صبية طيلة توزع الحضور قبل وبعد تقلُّد السيدة وسامها، بل لكلمة “رصيعة” وهي من لغةٍ أحسبها أجمل لغات العالم وما لبثت التداعيات أن أخذتني إلى تاريخ السيدة المكرّمة “نجاح العطار” الغيورة على لغتنا الأم وقضت عقوداً من الزمن تعمل على “تمكينها” ثم ذهبت التداعيات إلى إنجازها الفكري الغزير الذي فاض على أجيالٍ من وزارة أغنت مكتباتنا بالمؤلفات والترجمات والمجلات المتخصصة، أهمّها مجلة “أسامة” للأطفال ومهرجانات المسرح والسينما، وإذ تجولَت بين المدعوين بأناقة مظهرها ومخبرها، مصححة انحدار هذا العصر إلى القاع، سألتها: – ترى أيكما كان “الرصيعة” أنتِ أم “الحلية” التي تزين جيدَك والجهة اليمنى من صدرك؟.