لإضاعة حقوق الشاغلين تحت مسوغ «هلاك المأجور».. هدم متعمد لأعمدة وجدران أبنية في سوق درعا التجاري؟!
تشرين – وليد الزعبي:
خرج السوق التجاري الرئيسي وسط مدينة درعا عن الخدمة منذ السنوات الأولى للحرب الإر*ها*بية التي شنت على سورية، وتعرض في معظم أجزائه لأضرار تتفاوت بين الضرر الجزئي أو الكلي، وبعد أن أصبح العمل متاحاً ضمنه بدءاً من عام ٢٠١٩ فإن جزءاً بسيطاً منه دخل الاستثمار ولاسيما في محيط مركز الانطلاق الغربي وفي شارع الشهداء، بينما لم يشاهد أي نشاط يذكر في شارعي السوق الرئيسين ولاسيما هنانو والقوتلي وتفرعاتهما.
فوضى الإزالة
الملاحظ منذ فترة قيام البعض بعملية إزالة بعض الأبنية، إذ تشاهد ورشات مع آليات ثقيلة وهي تقوم بهدم عدد منها، وعلى ما يبدو فإن بعضها حصل أصحابها على تراخيص بالإزالة بينما غيرها تتم إزالتها من دون أي مرجعية، ولا أحد يعلم من الذي يقف وراء الإزالة خاصةً أن هناك متطفلين يستهدفون استخراج الحديد وبعض الأشياء التي يمكن بيعها للتربح من ورائها ومن دون أي وجه حق.
هدم متعمد
المشكلة الأكبر تتمثل بما بات يحصل مؤخراً، حيث إن عائدية هذا السوق التجاري إما لمالكين أو شاغلين بعقود إيجار دائمة تجدد تلقائياً (ما يسمى فروغ) أو صيغ إيجار أخرى، وللتخلص من هؤلاء الشاغلين أصبح بعض مالكي الأبنية وبشكل متخفٍ قدر المستطاع يقومون بإحضار ورشات مزودة بأدوات هدم من (كمبريسات) وغيرها والعمل على هدم الجدران وضرب الأعمدة وتفتيتها ليقوموا بعدها بتقديم طلب إزالة البناء بمسوغ أنه آيل للسقوط، وبهذه الحالة يتملصون من حقوق الشاغلين منذ عشرات السنين وخاصة وفق صيغة «الفروغ» التي تعد بالعرف شراء للعقار مع تقديم بدل إيجار سنوي بسيط للمالك.
تخمين مجحف
أيضاً برزت حالة أخرى وهي طلب المالكين من الجهات المعنية تعديل بدلات الإيجار وتخمينها على الرائج في محاولة لإلزام المستأجرين (فروغ) أو غيرهم بدفع مبالغ كبيرة بغير وجه حق وخاصة أن المحال غير مستثمرة حتى الآن لأسباب وظروف خارجة عن إرادة الجميع.
التنسيق ضرورة
المهندس قاسم المسالمة رئيس غرفة تجارة وصناعة درعا أمل بضرورة تفعيل السوق التجاري الرئيسي بالتوازي مع تأهيل البنى التحتية اللازمة له، وخاصة في ظل قرب عودة فرع المصرف التجاري إلى مقره الأساسي وسط السوق، والمتوقع أن يكون في نهاية العام الجاري لما له من دور في تنشيط الحركة، مبيناً أن الغرفة تتواصل بشكل حثيث مع التجار من أجل تحفيزهم على العودة السريعة إليه.
ولفت إلى أن محافظ درعا المهندس لؤي خريطة يبدي اهتماماً كبيراً على صعيد إعادة إحياء السوق وتأهيل بناه التحتية وكذلك التوجيه بالعمل على تأمين الحراسة والحماية اللازمة لمنع التعديات الحاصلة بالهدم والسرقة، وكشف أن هناك متابعة من الغرفة مع الجهات ذات العلاقة من أجل إيجاد صيغة توافقية بين مالكي وشاغلي الأبنية الآيلة للسقوط في السوق، وكذلك بشأن بدل الإيجارات الذي يتم تخمينه حالياً ليكون عادلاً وخاصةً أن المحال لاتزال خارج الخدمة.
انعكس سلباً
من جهته مدير الشؤون القانونية في مجلس مدينة درعا محمد خير أبا زيد ذكر أن القانون ٢٠ لعام ٢٠١٥ الخاص بالإيجار نصّ على ضرورة تحديد مدة الإيجار في العقد (بداية ونهاية)، أما الأنظمة القديمة التي سبقته فكانت عقود الإيجار بموجبها غير محددة المدة وتسمح بتجديد العقد تلقائياً، مع النظر بالإيجار كل فترة من خلال القضاء المختص، وهذا ما انعكس سلباً على أصحاب العقود القديمة (فروغ) قبل سريان القانون ٢٠، حيث أصبح من غير الممكن التنازل عن عقد الإيجار من المستأجر لشخص آخر إلّا بعد العودة للمالك الأساس، ما يعني إبرام عقد وفق القانون ٢٠، وتالياً تحديد المدة وانتفاء التجديد التلقائي للعقد.
الهلاك الكلي
وفصّل أبا زيد للتوضيح أكثر بالنسبة للمشكلات المذكورة آنفاً قائلاً: إن العقارات المؤجرة وفق الأنظمة التي سبقت القانون ٢٠ وخاضعة للتمديد الحكمي (التجديد التلقائي) ونتيجة الظروف التي سادت في سنوات الحرب وأدت إلى تدمير عدد كبير من الأبنية وأنه بسبب الهلاك الكلي للمأجور تلغى العقود لكون محل العقد (المكان) أصبح معدوماً وتعود الأرض إلى مالكها الأساس، وهذا الأمر يعود تقديره للقضاء المختص بإنهاء العلاقة الإيجارية، مع الإشارة إلى أن هناك تعويضات للمستأجرين نصّ عليها القانون وهي ٤٠ بالمئة من ثمن المأجور.
تعسف باستعمال الحق
لكن مدير الشؤون القانونية بيّن بالمقابل أن المالك قبل الإزالة يجب أن يحصل على رخصة هدم من البلدية التي تأخذ بظاهر القيود وهي الملكية المسجلة في الصحيفة العقارية مع حفظ حقوق الشاغلين من خلال كتاب تعهد لدى الكاتب بالعدل، وهذا لا يعني الإلغاء التلقائي للعقود، فحقوق المستأجرين بعقود دائمة حقوق حماها القانون السوري، بينما هدم الأبنية من أصحابها بهدف الإضرار بالمستأجرين هو تعسف باستعمال الحق وعلى المستأجرين مراجعة القضاء والسلطات المختصة، وبالنسبة للمالك فعند رغبته بإلغاء العقود معهم عليه رفع دعوى أمام القضاء بسبب الهلاك الكلي ليتم البت بذلك.
تفعيل السوق وحفظ الحقوق
إن الواقع الذي آلت إليه حال السوق الرئيس في مدينة درعا لا يسر أبداً، والمطلوب تحفيز التجار بالعودة إلى محالهم والمحامين والأطباء إلى مكاتبهم والمخابر ودور الأشعة والمدارس والدوائر والنقابات وغيرها إلى مقراتها وسط السوق، وذلك بعد تأهيل البنية التحتية وترحيل الأنقاض وإزالة الأبنية الخطرة الآيلة للسقوط وتأمين الحراسة لمنع حالات السرقة التي تحدث من ضعاف النفوس، توازياً مع إيجاد الصيغ التوافقية المنصفة للعلاقات بين المالكين والشاغلين، والتعامل بحزم مع حالات التحايل بالهدم المتعمد للأبنية السليمة إنشائياً من المالكين والتي تهدف إلى إضاعة حقوق الشاغلين.