أستغرب جداً ممن تتخربط ساعته البيولوجية عند ضبطها على التوقيت الشتوي أو الصيفي، فذاك يضطرب إيقاع نومه، وآخر «تحرد» معدته مع تغيير مواعيد الفطور والغداء والعشاء، وثالث يصيبه الأرق والصداع وتتحرك لديه الشقيقة، ورابع يشعر بالإرهاق المستمر، وخامس يصبح أكثر مزاجيةً من زوجة عم بنت خال المرحوم.
صحيح أنه حسب الكثير من الدراسات، فإن الجسم يمتلك ساعةً داخلية بالغة الدقة، مكانها في المخ، وأن هذه الساعة الحيوية مرتبطة بشكل وثيق بوتيرة حلول الظلام وطلوع الشمس، لكن المبالغة في تأثيراتها تجعلني أنذهل كثيراً، خاصةً في حالة معيشية مثل حياتنا، لا شيء فيها مضبوط نهائياً، من زمن حصولك على ربطة الخبز، إلى معرفة زمن وصولك إلى عملك وأنت تتعمشق بمقبض باب باص النقل الداخلي، أو حتى وأنت جالس على كرسي جانبي ضمن سرفيس من عصر النياندرتال، وليس في إمكانك، مهما حالفك الحظ، ووقف القدر إلى جانبك، أن تعرف متى تستطيع قبض راتبك في ظل طوابير الانتظار المرير على أجهزة الصراف الآلي، خاصةً أن معظمها خارجة من الخدمة، ناهيك بإمكانية التقدير المبدئي لحصولك على مازوت التدفئة، وجرة الغاز المُدلَّلة، والسُّكَّر والأرز المدعومين، فما بالك بتحديد تاريخ انتهاء معاملة في النافذة الواحدة، والتي تضطرك إلى أن تطرق كل الأبواب والنوافذ، وتتبسَّم لمئة وخمسة وعشرين موظفاً عابساً، وتُراعي مشاعر أضعافهم من المواطنين الملهوفين مثلك، وكل ذلك من دون أن تصل إلى مبتغاك، حيث إن كل الوعود تذهب مع الريح، هذا إن لم تُضيّع معاملتك بين الأدراج والمصنفات في رحلتها العوليسية إليك. هذا ولم نتحدث عن تأمين الأدوية المزمنة لك ولذويك، والأزمان التي تقضيها من صيدلية إلى أخرى باحثاً عن الكنز المفقود، إذ تبدو وكأنك «مضيِّع جحشة خالتك».
وفوق كل هذا وذاك، يأتي من يحدثك عن فرق التوقيت في هذه الجغرافيا، التي تنظر إليك، بجلالة قدرك وبهاء نيافتك وعظيم كينونتك، على أنك مجرد فرق توقيت لا أكثر، فتتأمَّل في خِلقتِه مليّاً، ولسان حالك يقول: “إي حلّ عنّا يا….”.
بديع صنيج
25 المشاركات