«عطية مسوح» وضرورة إحياء «ثنائيات طه حسين»
تشرين- نضال بشارة:
هدفت محاضرة الباحث “عطية مسوح” التي ألقاها بعنوان “الفكر الليبرالي وثنائيات طه حسين الثقافية” ضمن نشاط رابطة الخريجين الجامعيين بحمص، إلى التحفيز على استعادة فكر هذا المفكر النهضوي الذي يعدّ أبرز مفكري الجيل الثالث من مفكري العربية، وأكثرهم أهمية. ولذلك قبل أن يمضي مسوح بتقديم جوهر ثنائيات طه حسين، أضاء لنا نشأة الفكر الليبرالي العربي على يد رفاعة الطهطاوي الذي أصدر كتابه بعد عودته من فرنسا 1834 بعنوان “تخليص الإبريز في تلخيص باريز”، معرّجاً على معاصره في بلاد الشام “بطرس البستاني” وآخرين أيضاً، ومشيراً إلى أن الليبرالية في مصر لم تأخذ منحىً حداثياً قومياً كما في بلاد الشام، بل ظلت ذات محتوى تحديثي مصري، وأشار المحاضر إلى أن التيارين المصري والشامي كانا مساهمين في تأسيس دولة المؤسسات.
أما لماذا خطر له الحديث حول الفكر الليبرالي العربي اليوم، لأن هذا الفكر الذي فعل في عقول الناس وفي مجتمعنا لأكثر من مئة عام قد تعرض فيما بعد للإنكار والتنكر والطمس، وخبا وهجه بسبب نشوء تيارات أخرى معه وبعده، ساهمت في طمسه وهي الدينية والاشتراكية والقومية العربية، وهي اتسعت وانتشرت وكانت تحس أن ما رسخته الليبرالية يعوّق مسارها ونشر قيمها، فساهمت في طمس أفكار التيار الليبرالي، ولذلك ثمة ضرورة في إحياء الفكر الليبرالي العربي الذي يعود له الفضل في طرح ونشر مقولات فكرية وسياسية حديثة كالديمقراطية والعلمانية والحداثة والتي لا نزال نبني عليها.
ثم سلّط المحاضر الضوء على ثنائيات المفكر طه حسين الأربع، المتجسدة بـ”القديم والجديد، الشك والتسليم، العدل والحرية، العلم والدين”، والتي تمثّل ما قدمه المفكر حسين في الفكر الليبرالي الذي يشبه برنامجاً شبه متكامل للحداثة.
وقد عدّ عميد الأدب العربي في الثنائية الأولى أن القديم الجيد هو الذي يمهّد الطريق لجديد يأتي بعده ويحل محله، والجديد الجيد هو الذي يبني على ما كان في القديم ويؤسس عليه ولا ينفيه نفياً مطلقاً. وقد تناولها في أكثر من كتاب بكتبه واقترنت بمقولة أخرى هي مقولة الإصلاح وكان أول ما طرحه طه حسين في مشروع الإصلاح ومشروع التجديد هو من تجربته الخاصة هو إصلاح الأزهر لأنه كان طالباً فيه، لكن في كتب أخرى ككتابي “من بعيد” و”في الصيف” جمع فيها كل ما طرحه في هذه الثنائية.
يقول طه حسين في كتابه “من بعيد”: فالخصومة في حقيقة الأمر ليست بين العلم والدين، ولا بين دين ودين، وإنما هي بين القديم والجديد، بين السكون والحركة، بين الجمود والتطوّر.
وأشار إلى أن خصوم طه حسين ساهموا في تطور أفكاره، أما الثنائية الثانية فهي “الشك والتسليم”، وهي الأهم عند طه حسين، فقد أدخل منهجاً جديداً في دراسة الأدب والتاريخ وهو منهج الشك، وأعلن ذلك في مقدمة كتابه “في الشعر الجاهلي”، واستند في ذلك إلى منهج المفكر الفرنسي رينيه ديكارت. وهذا الكتاب أثار عليه نقمة كبيرة وتم الرد عليه في ثمانية كتب، وعشرات المساجلات في مجال الشك في التراث، على صفحات المجلات، لكن في المقابل ثمة من وقف معه أيضاً وإن كان يختلف معه فكرياً أو سياسياً، كالكاتب محمود العقاد في مصر، وسامي الكيالي في حلب الذي سخّر مجلته للدفاع عن طه حسين، كما كل المفكرين الذين يعتقدون بحرية الفكر وقفوا مع حسين وناصروه. أمّا الثنائية الثالثة فهي “العدل والحرية”، فقراءة التاريخ وكتبه تثبت أنها ثنائية ضدية مثل سابقاتها، تحدث طه حسين عنها في كتابه “ألوان”. ويوضح مسوح ثنائيتها الضدية بأن مزيداً من العدل ينقص من حرية البعض أو حرية جزء من المجتمع ولأن مزيداً من الحرية قد ينقص من فرص العدل في المجتمع. ومسألة الصراع بين العدل والحرية مسألة قديمة ومستمرة والتطور يسير على نحو أكثر فائدة للإنسان إذا استطاع هذا التطور أن يمشي على قدمين؛ العدل والحرية. والثنائية الرابعة هي “العلم والدين” والتي كان حذراً في طرحها، فكان يرى أن للعلم أساليبه وحقوله، وكذلك للدين، ولا يجوز الدمج بينهما.
أخيراً تمنى المحاضر أن يتمكن المفكرون العرب من استعادة الاهتمام بما طرحه هؤلاء المفكرون الكبار وفي مقدمتهم ما طرحه طه حسين لأننا نحن نستذكرها لضرورة بناء جيل فعّال يتسلح بتلك الثنائيات كذخيرة نحو تغيير المجتمع.