البحوث الزراعية تدرس حلولاً وسطاً..الأصناف الهجينة تطرد البلدية تحت غواية الريعية
تشرين- وليد الزعبي:
على ما يبدو أن أصناف الخضر البلدية أصبحت من موروث الماضي، حيث انحسرت زراعتها بشكل شبه تام منذ عدة سنوات، ولم تشفع جودتها الأفضل بالصمود في مواجهة الأصناف الهجينة المستوردة لإنتاجيتها العالية التي تحقق ريعية اقتصادية تهم الفلاح أكثر من أي شيء آخر.
في السياق أوضح الدكتور سلطان اليحيى رئيس مركز البحوث العلمية الزراعية في درعا لـ”تشرين” أن هناك فرقاً كبيراً ما بين أصناف الخضار البلدية والهجينة المستوردة على هيئة بذار الجيل الأول (F 1)، فالأصناف البلدية تعطي إنتاجية أقل لكن بنوعية أفضل في حين أن بذار الأصناف الهجينة تمتاز بظاهرة قوة الهجين التي تنتج عن التهجين ما بين عدة سلالات أو أصناف ومن ثم الحصول على الجيل الأول من البذار الذي يشتريه الفلاح ويزرعه لمرة واحدة ويعطي إنتاجاً أكثر مستفيداً من قوة ظاهرة الهجين، ولكن من دون بذور أو أن البذور التي يتم الحصول عليها تكون عقيمة لا تنبت إذا زرعت، وأشار إلى أن هذه المنهجية الخاصة المتبعة لدى الشركات المنتجة للبذار تجعل المزارع مضطراً في كل مرة لشراء البذار منها، مثل بذار الخضار (الباذنجان- البندورة- الفليفلة- الكوسا- الملفوف- والبطيخ وغيرها).
وبالنسبة لجودة الأصناف الهجينة فهناك سعي متواصل لدى الشركات المنتجة لتحسين نوعيته ويمكن القول في هذا المجال: إن هناك صراعاً دائماً ما بين مربي النبات والعوامل المؤثرة على النبات نفسه لتحسين الإنتاجية كماً ونوعاً.
ولجهة الجدوى قال د. اليحيى: إذا قارنا الجدوى الاقتصادية من وراء زراعة الأصناف الهجينة مع الأصناف البلدية فهي بالتأكيد تميل نحو زراعة الأصناف الهجينة لأن إنتاجيتها أكثر من البلدية، وبالتالي غلاء مستلزمات الإنتاج من بذار الهجين يغطيه ارتفاع الإنتاجية، في حين أن الأصناف البلدية كما أسلفنا نوعيتها جيدة ولكن إنتاجيتها أقل وبالتالي الجدوى الاقتصادية من زراعتها أقل ولذلك يلاحظ أن الفلاح يميل نحو الهجينة، لكن إذا كانت هناك سياسة سعرية لرفع قيمة الأصناف البلدية أكثر من الهجينة فمن الممكن أن يشجع ذلك على زراعتها من المزارع.
ولفت اليحيى إلى أن هناك توجهاً منذ سنوات لدى الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية لاستنباط أصناف هجينة من الخضار محلياً ذات إنتاجية عالية من أجل توفيرها للفلاح بسعر أقل والاستغناء عن المستورد، وحالياً قيد الاعتماد عدد من الأصناف الهجينة المنتجة محلياً في مراكز البحوث العلمية الزراعية.
من جهته المهندس محمد الشحادات رئيس دائرة الإرشاد الزراعي في مديرية زراعة درعا ذكر أن الأصناف البلدية (المحلية) متأقلمة مع الظروف المناخية للبلاد وقادرة على الإنتاج بأقصى درجات التغير المناخي من جفاف أو رطوبة، وبالنسبة لإنتاجيتها فهي محدودة لكنها من أجود الأنواع وذات قيمة تسويقية مرتفعة، ولكن يعاب عليها حساسيتها للأمراض والآفات الحشرية الحديثة، وبالنظر للأصناف الهجينة فتعتمد برامج التربية والتحسين الوراثي لزيادة مقاومة تلك الأمراض والآفات مع التركيز على تحسين القدرة الإنتاجية بوحدة المساحة كماً ونوعاً مستفيدة من البحث العلمي وتطبيق حزمة من التقنيات الفنية الزراعية التي تعتمد على إحداث وفرة في الإنتاج من خلال تحسين قدرة النبات بالاستفادة المثلى من الأسمدة الحديثة ذات التراكيب العلمية المدروسة والمحملة على مواد عضوية مخلبية بالإضافة إلى تطبيق برامج الإدارة المتكاملة للآفات واستخدام تقنيات الري الحديث.
وقدم الشحادات محصول البندورة مثالاً عن الإنتاجية، فهي للصنف البلدي تعطي بالدونم الواحد 3 أطنان في أحسن الأحوال في حين متوسط إنتاجية الأصناف الهجينة يتراوح بين 10 و12 طناً وهذا ما أسهم بزيادة عدد معامل الكونسروة في محافظة درعا من معمل واحد إلى 48 معملاً مع إحداث حوالي 20 مركز فرز وتوضيب خضار تجد طريقها إلى الأسواق الخارجية نتيجة إدخال أصناف ذات قدرة تسويقية تتحمل ظروف الشحن وهي ميزة لا تتوفر في الأصناف البلدية.
أما رأي عدد من فلاحي المحافظة فلم يكن بعيداً عما سبق وتمثل بقولهم: ما يهمنا الريعية الاقتصادية المجزية المتحققة لا ماهية الأصناف، لأن الزراعة باتت مكلفة جداً وتحتاج توظيف رأس مال كبير في ظل ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج من بذور وأسمدة ومبيدات ومحروقات وكهرباء وطاقة بديلة وأجور يد عاملة ونقل، وبالتالي لو كانت الريعية المتحققة من الأصناف البلدية تعادل تلك المتحققة من الهجينة لتمت زراعتها لكن للأسف الواقع غير ذلك.