علي الرّاعي وشواغل الفن التشكيلي السوري
راوية زاهر
(دروب في المشهد التّشكيلي السّوري – ملامح بحث عن هوية).. جديد الكاتب علي الرّاعي الذي بدأ فيه بالغوص في بدايات الفن التشكيلي وأوائل ظهوره في بلاد الشرق من أجل ذاكرة ملونة، مُبيّناً للقارئ دوافعه من إنجاز هذا المؤلف وذلك لباعثين اثنين، الأول: الحديث عن عمل تشكيلي بهوية سورية.. ولكن دون انقطاع عن حركة التشكيل العالمية. أما الباعث الثاني فكان البحث عن قراءة نقدية موازية تُعادل تنويعات التجربة التشكيلية السورية من اتجاهات وتجارب.
وعلى وقع إنجاز مميز كان العنوان الكبير( انزياح لوني) كعرض لوجهة نظر المؤلف بالقضايا والجماليات المتعلقة بالمبحث التشكيلي، تلي الحديث عن فنانين تشكيليين، أغنوا السّاحة التشكيلية بإبداعاتهم وآرائهم التي استخلصها المؤلف منهم شفاهاً على هامش لقاءاته بهم في بهو وصالات معارضهم التّشكيليّة الغنية أو في مقابلات خاصة.
بدأ الكاتب انزياحه اللوني الأوّل ب”وجوه” ليؤكد أن كثيراً من النّقاد يؤكدون أن حضارة الوجه جذورها في اليمن والبتراء وحوران وتدمر النخيل، وقبل ذلك ماري وإيبلا والرافدين.. فالوجه لاسيما العيون معبر إلى سرٍّ ما تضنُّ به الدّواخل، والسرّ هو دلالة حضارة الوجه..
وأمام صوت سوري صارخ في أوروبا، فيحكي وجع بلاده في لوحة “المذبح: خشبة التقطيع رابطاً الذّعر باللعبة الوجودية، بين الإنسان والموت، هو الفنان كاظم خليل، ناهيك عن تحريره القهوة من قيمها اليومية ليخلق الجمال المشتهى، ومن ثمّ ليختم الراعي حديثه الطويل عن الفنان خليل بتنويعات من التجربة، مُطبّقاً هذا الإجراء على الفنانين الذين بلغ تعدادهم ثمانية وعشرين فناناً تشكيلياً باختصاصاتهم كلها.. وليتابع المؤلف رحلة البحث في أزرق سورية الذي أعطاها هوية خاصة، لنجد فنانين شغفوا بالأزرق وتدرّجاته كنزار صابور وسموقان ورازي عبدالله وغادة زغبور، فالأزرق بدرجة النيلي قد خصصه السوري الفينيقي للملوك والآلهة، وهذا ما أخذه العالم عن سورية، فكان أن جعل الرومان ثوب العذراء نيلياً مُقدساً. ولون سورية كما وصفته صحيفة فرنسية ذات حين، وليصبح عند نزار صابور رنة النحاس في روحه، هذا الفنان المنتمي للوحة سورية مُطهّرة من الاستعراض.. ليستغرق الراعي بعد ذلك برحلة الرسم على الأطلال وتجربة ناظم الجعفري، وهو من الذين أوقفوا كامل نتاجهم الفني لتصوير دمشق.. ومن الأماكن الطللية القديمة التي غاص الفنانون في تصويرها معلولا، وطرطوس العتيقة على يد غسان جديد مُلتقطاً من المكان روحه، كصرخة ملوّنة عفوياً.. ومع سموقان الذي كانت بدايته من كورنيش اللاذقية مُستلهماً مادة عمله من رمال وحصى الشاطئ.
وفي مجمل أعماله يرى نفسه أنه يتبع قصة تروي وتحكي أحداثها، بطلها الخط واللون.. وفي رسم (الأنا) تحويل مرآة الآخر إلى بديل لمرآة الذات؛ لتدهشنا الفنانة آمال مريود بكتابة مذكراتها جمالياً على قطع الطين، في شغلها بفخّارٍ لايزال يحتفظُ ببصماتٍ لآلاف النساء..
وفي انزياحه التعبيري يقفُ المؤلف في حديث عن تثبيت اللحظة الهاربة.. ومع فنان صور المدن العتيقة في غفلة من غياب الشمس.. هو التشكيلي (وائل الضابط) في ثلاثة مناخات لتثبيت حركة الصورة.. وللتجريد وأثره في اللوحة التشكيلية قديماً وحديثاً كما عبرّ عنها المؤلف.. وقد ظهرت لأجنحة المرأة في أعمال وليد محمود حكاية، قابضاً على الصوت مُلتبساً بكتلة وأبعاد.. ولا ينسى أدونيس مع ديوانه الضوئي وتوسيع لأفق القراءة.. مشاهد بصرية من ألوان وكولاجات ونصوص شعرية.
كما اقتفى المؤلف حال التشكيل في الدراما والنقد وبرفقة المتذوق، وما بين روما ودمشق، و”الشروال’ والحارة والحرف العربي.. أضف لختامه كتابه الضّخم بفن الكاريكاتير الملتبس، مُسترسلاً معنا في الحديث عن حال الكاريكاتير السوري؛ حيث الطيور تصعد الشجرة على سلالم لرسامي الكاريكاتير الذين يحملون الأزهار إلى جرائدهم، ويبكون من شدة الشّعر..
خاتماً مع تنويعاتهم الكاريكاتيرية في التجربة إنهم: فارس قره بيت، عبدالهادي شماع، حميد قاروط، عبدالله بصمه جي، عصام حسن، نضال خليل، وياسين خليل.”