ثروتنا الحيوانية سادت ثم بادت.. فهل تعود دعما لاقتصادنا الوطني؟
تشرين- محمد فرحة:
أذكر جيدا أنه بمنتصف السبعينيات وحتى آواخر الثمانينيات كيف كان الحليب والزبدة واللبن والقريشة وكل المشتقات الآخرى لا تخلو منها خزائن البيت يوم لم يكن لدينا لا كهرباء ولا برادات ، فكانت هذه المواد الغذائية تعبأ ب”مرطبانات” كمؤونة للشتاء .
ومع بداية الثمانينيات بدأ الاهتمام يتزايد بقطاع المواشي بمختلف أنواعه وأخذ خطه البياني بالتصاعد بشكل لافت إلى أن وصل عدد رؤوس الأغنام ما قبل الأزمة إلى ١٥ مليون رأس ومليون ونيف من الأبقار ومليونين من الماعز الجبلي ، فما الذي حدث اليوم حتى بتنا نتحسر على الماضي وخيره الوفير ، ولماذا فقد ريفنا المعطاء الاهتمام بالثروة الحيوانية وهو الطرف الثاني في الأمن الغذائي ؟
عن هذه الأسئلة يجيب الخبير الاقتصادي أستاذ الاقتصاد الجامعي في جامعة حماة إبراهيم قوشجي قائلا: لعل السبب الجوهري بتراجع أعداد ثروتنا الحيوانية وتراجع تربية المواشي كما في السبعينيات والثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات هو ارتفاع أسعار المادة العلفية .
واردف قوشجي: يوم كانت مزدهرة أي الثروة الحيوانية بإنتاجها كان كيلو العلف أقل من سعر كيلو الحليب أو يساويه ، أي كانت تربية المواشي تدر على المربين أرباحا وتوفر لهم مصدر غذاء .
في حين اليوم أثرت كثيرا في وجودها المتغيرات السعرية اليومية لدرجة لم يعد المربون الكبار منهم قادرين على شراء المادة العلفية ، في حين تخلى عن العمل بها المربون غير المقتدرين على شراء المادة العلفية وهنا بيت القصيد للبدء بتلاشي المشتغلين بترببة المواشي في ريفنا المعطاء.
فالثروة الحيوانية مصدر مهم لأمننا الغذائي من جهة ، ولتأمين القطع الأجنبي لخزينة الدولة من جراء تصدير العواس، ولعلكم تذكرون الكميات التي كانت تصدر من محافظة حماة وحدها والتي كانت تتعدى ال ١٥٠ ألف رأس .
واستطرد الخبير الاقتصادي قوشجي قائلا: غياب أعداد الثروة الحيوانية اليوم من ريفنا يرسم ظلا أسود مخيفا على القطاع الذي يمكن تطويره واستثماره لدعم الاقتصاد الوطني ، ويتجلى هذا الظل في انخفاض قدرة المربين إن لم نقل تلاشيها تدريجيا بسبب صعوبة شراء المادة العلفية ، وانخفاض القوة الشرائية للمستهلك المحلي وانعدام القدرة أيضا على تصدير العواس ما يحرم الاقتصاد من القطع الأجنبي وهذه خسارة بحد ذاتها، مشيرا إلى الخشية من انحسار أصناف العواس السوري كأصل وراثي نادر مترافقا مع نشوء بعض الأمراض والأوبئة وانعدام القدرة على العلاج من دون تدخل وزارة الزراعة، كل ذلك يؤدي إلى ارتفاع أسعار اللحوم قياسا إلى الدول المجاورة .
أين الحل؟
يجيب الدكتور إبراهيم قوشجي بأنه لتجاوز هذه الأزمة لا بد من توفير منطقة غنية بالمياه والنباتات العلفية كسهل الغاب مثلا والتشحيع على دعم محميات علفية تدعم قطاع الثروة الحيوانية ، وتطوير وسائل حمايتها وعلاجها، أي إن تربية المواشي عند ذلك يمكن أن تتعافى ويعود دورها الذي كان للأمس القريب دعما متينا للاقتصاد الوطني ، ويصبح لدينا ما يكفي من اللحوم بدلا من استيرادها لصناعة المرتديلا فضلا عن تخفيض كميات الدولار من جراء الاستيراد.
من ناحيته قال رئيس قسم الثروة الحيوانية في هيئة تطوير الغاب الدكتور مصطفى عليوي : إن الثروة الحيوانية في ريفنا في الوقت الذي كان يجب أن تعود وتتحسن جاء ارتفاع أسعار الأعلاف فقصم ظهر المرببن ، مضيفا إن من كان لديه عدة أبقار قبل عدة أشهر من الآن لم يبق لدية سوى رأس واحد وفقا لمقدرته على تقديم الأعلاف .
وختم حديثه قائلا : بشكل عام لا يوجد اليوم أي حالة مرضية في القطيع سواء للأبقار أم الماعز في مجال سهل الغاب ، حيث نقوم بإعطاء اللقاحات الدورية مسبقا، وفي الوقت الذي بتنا فيه اليوم بأمس الحاحة إلى ازدهار تربية المواشي بدأت تتراحع .
أخير لابد لنا من التذكير بأن عدد رؤوس الأغنام كان في عام ٢٠١٠ ، ١٥ مليون رأس ، في حين اليوم لا يتعدى العدد نصف الرقم الأخير فماذا تراها الحكومة فاعلة؟