الباحث عطية مسوح وحديث عن إخلال بالقيم الروحية رغم التقدّم!

نضال بشارة

استهل الباحث عطية مسوح محاضرته ” التقدم والعلوم الإنسانية” التي ألقاها مؤخراً ضمن نشاط اتحاد الكتّاب العرب بحمص، بالإشارة إلى مفهوم التقدم بمعناه الشامل مادياً وعقلياً وروحياً. فمادياً ثمة تطور هائل بكل متطلبات الحياة خصوصاً في النصف الثاني من القرن العشرين، والتقدم عقلياً يكون بالإيمان بالعقل والركون إليه وإعماله في دراسة كل الظواهر ودراسة المشكلات واستنباط الحلول الممكنة. أمّا روحياً فلا يمكن الحديث عن التقدم فيها إذا لم يكن هناك تقدم على مستوى حاجات الإنسان الروحية أي الثقافة بمختلف تجلياتها ولاسيما الآداب والفنون التي يجب أن تتحلى بالنزعة الإنسانية.

العلوم الإنسانية في نظر المحاضر تسمية مجازية، وهي أوسع مما يعطي مصطلح العلوم الاجتماعية. ورأى مسوح أن صانع التقدم هم البشر، وهذا متفق عليه، أما غير المتفق عليه فهو أن الإنسان هو غاية التقدم والغرض الذي يصبّ فيه ويخدمه التقدم، ومختلف عليه بمعنى دخول المصالح بسبب الصراع الموجود في المجتمع حول ما ينتجه التقدم من ثروات مادية أو روحية.

ثم أشار مسوح إلى تداول مسألة أن البشرية لم تتقدم، لأن القيم والأخلاق تراجعت. فنبّه إلى نسبية تجلّي هذه القيم في الحياة العامة، حسب الزمان والمكان.

كما أشار إلى المشكلة التي دفعته للاهتمام بهذا الموضوع، وهي أن كل من يراقب التقدم والتطور الهائل الذي حدث في مجال الاقتصاد والتقنيات يلفت انتباهه أن البشرية تتقدم لكنّ قَدَمَي التقدم هما العلوم التقنية والعلوم الإنسانية، ويلاحظ المراقب أن التقدم الهائل الذي تحقق في العلوم التقنية لم يتواز معه تقدم في مجالات العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية.. وهذه مشكلة موجودة في كل المجتمعات، لكن عندنا ذات خطورة أكبر بسبب غياب العقلانية خاصة في الأوساط المثقفة.

ورأى مسوح أن في الغرب ثمة مراكز بحوث لتلك العلوم، لكن المستفيد منها أصحاب المصالح الاقتصادية الكبرى بمختلف اختصاصاتها ولخدمة القوى السياسية، وهذا يقودنا إلى أنه إذا كانت العلوم الإنسانية بأيديهم فهي لن تتطور إلاً لخدمة مصالحهم.. فما نتج وتطور سابقاً هو نتاج الفلسفات العقلية والتنويرية التي أُنتجت في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر. والمشكلة تكمن في ما حلّ بديلاً من الفلسفات ذات الروح الإنسانية، في “البراغماتية” بنسخها المتعددة وأجيالها المختلفة. فهي نشأت كما هو معروف في الولايات المتحدة الأمريكية، وتعني العمل أو العملانية، أوالذرائعية، أوالنفعية. ويفسر مسوح لماذا لم ينشأ غيرها من الفلسفات، لأن أصحاب النفوذ في الولايات المتحدة لم يكونوا بحاجة إلى فلسفة عقل، أو فلسفة تحدّ من الهيمنة الدينية على الفكر والعقل، كما في أوروبا، هم بحاجة لفلسفة تخدم مصالحهم مباشرة، أي تكوّن لهم يدا عاملة مُنتجة تُحقق لهم ما يريدونه.

كما أشار إلى أن النسخ الحديثة من “البراغماتية” كلها ذات هدف واحد، كيف نهيئ أو نعدّ عاملاً قادراً ناجحاً في مجال عمله؟ وفي المجال الاجتماعي كيف يمكن له بعد العمل أن يعيش ساعات من ممارسة هوايته أو الحصول على راحته. وهذا يعني تحجيماً لأي فلسفة.. فأمست البراغماتية هي الفلسفة الكبرى والوحيدة، لكن الضحية هي العقلانية والنزعة الإنسانية، لعدم وجود أي تكافؤ بين التطور في المجال التقني وبين التطور في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية.

وبالانتقال إلى كيف يتجلى ذلك وعلى نحو متفاقم في مجتمعاتنا، يقول مسوح: يتجلى بالدرجة الأولى باختلال التوازن بين الثقافة التخصصية والثقافة العامة. فيتشكّل الخطر على المدى البعيد، في غياب النزعة الإنسانية لغياب التطور في العلوم الإنسانية. أمّا كيف نجد حلاً ؟ فالحلول التي يقاربها الناس في نظر مسوح تشكل خطراً على العقل، لأنهم يلجؤون للغيبيات والروحانيات، وإن عززت بعض القيم، ولذلك المشكلة لدينا مضاعفة، وليس أمامنا كخطوة أولى سوى النشاطات المتعلقة بالثقافة العامة التي تقدمها بعض الهيئات الثقافية والإعلامية، إضافة إلى الثقافة الأثقل التي تقدمها مؤسسات بحثية ومعاهد فلسفية أو أدبية التي تحتاج إلى رعاية وعناية منذ الصغر. فإبعاد الإنسان منذ طفولته عن الاهتمام بالفنون والآداب والتركيز على الدراسة والعلم فقط، سيدفع به للنمو بشكل أعرج، لأنه سيبتعد عن النزعة الإنسانية في سلوكه.

ويخلص المحاضر إلى ضرورة التركيز على ذلك، فقد يساعد على التوازن، لكن غياب أو تغييب المؤتمرات لا الندوات، المؤتمرات التي تعالج مشكلات الفلسفة والأدب والمسرح وبقية الفنون، وما يحدث منها يأتي بصيغة تظاهرات، هذه المؤتمرات مسألة مهمة لإعادة التوازن، فعلينا الاشتغال عليها، فالذي يستفيد من غياب ذلك هي القوى الأصولية والسلفية لأنها تستغل خلو الساحة فتعيد القيم بالعودة للماضي وتغييب العقل. وهذه مسألة تحتاج اهتماماً ونقاشاً واسعاً من وسائل الإعلام والمؤسسات الثقافية وتحتاج دعماً مستمراً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا