بشر عيسى: الموسيقا التراثية الأكثر انتشاراً في بلاد الشام
ثناء عليان:
عن التراث الموسيقي والثقافي ألقى الباحث الموسيقي بشر عيسى بدعوة من جمعية العاديات في طرطوس محاضرة بعنوان “التراث الموسيقي والغنائي في بلاد الشام” في مركز الشعلة للأداء المتميز بين فيها أن التراث مرادف للثقافة، وهو شكل ثقافي من الماضي البعيد والقريب يتناقل اجتماعياً ويصمد عبر الزمن، لافتاً إلى أن التراث الموسيقي والغنائي في بلاد الشام يشمل في طيّاته فلكلور هذه المنطقة، وتختلف بهذا الأغنية التراثية عن أختها الأغنية الفلكلورية، في كون الأولى أكثر تعقيداً وتطوراً في اللحن والكلمات والنقلات المقامية، مقدماً مقارنة بين الأغنية الفلكلورية “عالهوارة” والأغنية التراثية “موشح كللي ياسحب” أو قد “تحت هودجها”.
وأكد عيسى أن التراث الموسيقي في بلاد الشام هو جزء من التراث الموسيقي العربي والذي يتألف بشكل رئيسي من: آلي (موسيقا دون كلمات)– وغنائي (والذي تشكل القسم الأعظم)، لافتاً إلى أن الموسيقا في بلاد الشام تطورت عبر تاريخها السحيق، وعرفت الكثير من الأنماط الموسيقية للحضارات والثقافات التي تعاقبت عليها، وقد برع الشاميون في الموسيقا وأحبوها منذ الأزل، ونظراً لعدم تمكن شعوب المنطقة من ابتداع نظام يدوّن موسيقاهم ويحفظها، فقد ضاعت الألحان ولم يبق منها سوى كلمات الأغاني أو بعض الخرائط اللحنية لطريقة سير التقسيم والارتجال.
أما الموسيقا التراثية السورية اليوم فهي مزيج هائل من موسيقا الشعوب المحيطة المختلفة مطبوعة بشخصية الإنسان الشامي وعمقه الحضاري ومتأثرة بالمناخ والجغرافيا السورية المتنوعة، الأمر الذي يجعلها ذات طابع مميز أصيل يسهل تمييزه عن بقية موسيقات الشعوب.
وذكر أنه خلال القرن التاسع عشر، كانت بلاد الشام لا تزال تقع تحت السيطرة العثمانية، وعرفت تغييرات سياسية واقتصادية واجتماعية مهمة منذ حملة بونابرت في نهاية القرن الثامن عشر والانفتاح على الغرب، نتجت عنها نهضة فكرية وعلمية واجتماعية وأدبية ما أثّر على الواقع الموسيقي، حيث برز قطبان موسيقيان أساسيان، هما القاهرة وحلب اللذان أثّرا على باقي مدن الشرق العربي.
ولا شك –يضيف- أن الحركة الموسيقية والمسرحية النهضوية العربية قد قامت في مصر اعتباراً من مطلع القرن التاسع عشر بسبب الأجواء السياسية المنفتحة التي وفرها حكم محمد علي وأبناؤه بعيداً عن سلطة العثمانيين القمعية، إلا أن للموسيقيين والمسرحيين الشاميين دوراً أساسياً (إن لم يكن الدور الأعظم) في نشوء هذه الحركة، بالإضافة إلى النظرة غير المنفتحة للمجتمع الشامي عموماً على فن الغناء والموسيقا والمسرح، كما أن الضغوطات الاجتماعية منعت دخول النساء عالم الغناء والتمثيل (حضوراً ومشاركةً) حتى بداية القرن العشرين، وتحديداً بعد الحرب العالمية الأولى لذلك عرفت بلاد الشام هجرة كبيرة للشوام إلى مصر.. وبرأيه من الصعب فصل التراث الثقافي بشكل عام بين بلاد الشام والعراق ومصر، لأن هذه المناطق الجغرافية الثلاث كانت منذ الأزل ذات تاريخ سياسي واجتماعي وثقافي واحد، وهي متشابهة في تقاليدها وعاداتها وموروثاتها، إلا أن هناك بعض المزايا التراثية التي تطبع كل منطقة من هذه المناطق الثلاث، وتسمح ببعض الفوارق والتفضيلات الثقافية والفنية التي تقوم على اللهجة والمزاج العام والبيئة والمناخ.. ويتابع: كان شعب هذه المناطق الثلاث محباً ومتذوقاً لجميع ضروب الموسيقا العربية وقوالبها.. وعن أنواع الموسيقا التراثية الأكثر انتشاراً في بلاد الشام يذكر عيسى:
الموسيقا الغنائية وهي: القدود– الموشحات– الأغاني– الموال– الأغاني الفلكلورية الراقصة.
والموسيقا الآلية وهي: الدولاب– السماعي– التقسيم وتعتمد على آلات: العود– البزق– القانون– الكمان– الناي– الرق– الدف– المزهر– الدربكة، والشكل التقليدي للفرقة الموسيقية هو “التخت الشرقي”، والذي يتألف عادة من العود والقانون والناي والرق، وتم إدخال الكمان إليه في منتصف القرن التاسع عشر، والتخت كلمة فارسية بمعنى منصة أو صدر المجلس، وهي عبارة عن دكة تنصب فوق منضدة عالية هي مجلس المغني ورجاله في صدر السرادق أو الملهى على حسب الداعي للحفلة. حتى يكونوا موضع أنظار المستمعين، وفي أوائل القرن الثامن عشر ظهر في حلب تخت يوسف أنطوان الياس الجد الأكبر لعازفي الكمان سامي وفاضل الشوا.
وختم عيسى محاضرته بعرض نماذج لكل من القوالب الموسيقية المنتشرة في بلاد الشام مع توضيح موجز عنها وتعريفها حيث قال: قوالب جمع قالب، وتستخدم في تشكيل بنية الموسيقا الغنائية والآلية على حدٍ سواء، فالقالب عبارة عن صيغة يبني المؤلف أو العازف عليها اللحن أو الأداء الموسيقي، ويعطي للموسيقي شكلاً ومساراً مُتفقاً عليه من ناحية التركيب.