المونودراما كفنّ قائم في حدِّ ذاته محاكاة شخصية أم تماهٍ ؟؟!
تشرين- بارعة جمعة:
يرجّح بعض الباحثين أن تكون مسرحية “بغماليون”، التي كتبها جان جاك روسو، هي البداية الحقيقية لفن المونودراما- العرض المسرحي بشخصية وحيدة ، بينما يلجأ البعض لتشبيهها بالخطبة أو المشهد المطول، أو المونولوج.. يعيش من خلاله الفنان مشاعر متداخلة منها الفرح والحزن والإحباط والتفاؤل، ومن ثم يخرج من ساحة الصراع الذاتي مع نفسه منهكاً من تفاصيل متعبة، بعدما يظهر أمامك مجتمع بأكمله ضمن رواية واحدة وقضايا عدة تُعالج من منطلق وحدة النص والأداء القائمين بشكل أساسي على مهارة الفنان والكاتب بآن معاً.
فن شعبي
ومن الخطأ اليوم إعطاء المونودراما صفة الخصوصية لجمهور ما وهي موجهة للعامة، فهي لا تختص بالنخبة المثقفة لكونها تتماهى مع المسرح الجماعي الملحمي والتقليدي المتكامل العناصر من فنيي إضاءة ومدير منصة، والتي تستوجب حالة إبداعية جماعية كما وصفها المخرج تمام العواني في محاضرة سابقة له في اتحاد الكتاب العرب بحمص، فالتوجه لجمهور متنوع يحتاج منه تجييش مشاعره واستخراجها للتفاعل مع الممثل، ضمن حالته النفسية المتبدلة والعميقة التأثير والتي تنساب بتلقائية.
كما أن للخروج عن نمطية تعداد الممثلين ضمن العمل المسرحي والاكتفاء بممثل واحد إشارات عدة حول قدرة الفنان على الخروج من طابع المناجاة الذي غلب على الحوار على الرغم من أنه المجسد للفعل الدرامي ذاته، والتي أعطت هذا الأسلوب من الأداء صفة التصنيف أو التجنيس، في الوقت الذي من المفترض به أن يكون ذا حضور يقوم على التشخيص أو التقمّص.
خيار حتمي
يأخذ بعض النقاد على فن المونودراما لجوء البعض من المخرجين والمنتجين للأعمال المسرحية على العمل به من مبدأ الهروب من تكلفة العمل الجماعي وما يتطلبه من نفقات مكلفة لهم، في حين أن المخرج المسرحي ذاته لا يلجأ للمونودراما بل يختارها، وذلك ضمن شروط وظروف عمل محددة تتطلب وجود النص والممثل بالمستوى ذاته حسب رؤية المخرج المسرحي طلال لبابيدي، فالإقدام على هذا النوع من المسرح بمنزلة المغامرة للمخرج والعاملين بها سواء الممثل أو الكاتب أيضاً برأيه، والذي بدوره يستوجب توافر شروط وبيئة عمل مشجعة لها.
كما لا يمكننا حصر مفهوم المونودراما في المسرح فقط برأي لبابيدي، فأي عمل تتوافر فيه الشروط السابقة هو مونودراما، وإذا ما نظرنا إلى الدراما على أنها فن يعتمد على محاكاة وتجسيد الواقع بكل أنواعها، نجد أنها لا تخدم المسرح نفسه بل على العكس تماماً، المسرح هو من يخدم الدراما لكونها الأساس والحدث في حين يقتصر المسرح بوصفه مكاناً لعرضها حسب توصيف لبابيدي.
العنصر النقدي
ولتركيزها على شخصية الممثل نفسه أكثر من الحدث الذي يحرم فن المونودراما فرصة الجدل بغرض التنوع والاستغناء عن الحوار والاكتفاء بتقييم الشخصية نفسها ضمن عزلتها والتمسك فيما مضى من جهة ومن ثم التطلع للمستقبل من جهة أخرى دور رئيس لافتقارها النقد، ومهما حاول المؤلف تأكيد هذا العنصر فإن إلحاح الشخصية الواحدة والمنظور الواحد على وجدان المتلقي سيخلق نوعاً من التعاطف معها ينفي إطار النقد.
كما أن اتجاه البعض نحو هذا النوع من المسرح ليس من مبدأ حبه له وشغفه للعمل به برأي لبابيدي، إنما بوصفها تجربة جديدة وتحتمل التجريب عدا عن كونها غير مكلفة قياساً بأنواع العمل المسرحي الأخرى، إلّا أن ما قُدم من تجارب سابقة حتى الآن لم تحقق نجاحاً ولم ترقَ لمستوى الجماهيرية، بل مازالت تجارب خجولة ومتواضعة برأيه، إلّا أن الإشارة إلى ما حققته المونودراما من تميُّز ضمن عمل “كحل عربي” لـ روجينا رحمون والمخرجة سوزان علي في مهرجان قرطاج الدولي في تونس وحصوله على جائزة المهرجان يستحق النظر إليه برأي لبابيدي..
إلّا أنه ورغم كل ما قدمته عروض المونودراما في المسرح العربي، يؤخذ عليها هيمنة الصيغة الحكواتية على الأداء، والتي تؤكد أهمية المؤلف بصورة خاصة في هذا النوع تحديداً ومدى قدرته على تطوير لغته وأدواته للخروج من هذه النمطية.