الفنان فايز قزق لـ«تشرين»: لا أفكر في صناعة النجم.. بل أن يكون طلابي ممثلين أقوياء
حوار- ميسون شباني
يكره لقب النجم، ويُفضل كلمة الفنان المسرحي، أو كما يحب أن يناديه الطلاب «الأستاذ»، هو الأستاذ والمعلم الذي يفضل التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية عوضاً عن أي عمل تلفزيوني .. دقيقٌ في مواعيده، ويعمل جاهداً على بناء سيكولوجية خاصة بكل طالب لديه.. الفنان المسرحي فايز قزق التقته «تشرين» بعد انتهاء مشروع التخرج لطلاب السنة الرابعة في المعهد العالي للفنون المسرحية الذي حمل عنوان “الدار”، وكان هذا الحوار:
* قمت مؤخراً بالإشراف على العرض المسرحي “الدار” ، النص مُرتجل، ويحمل إسقاطات من الواقع، ومن الزمن الماضي.. كيف تمّ الاشتغال والممازجة بينهما؟
ليست قضية ممازجة، فمشروعات الارتجال ليست حديثة العهد، وبدأناها منذ سنة 1988، وكان هناك أكثر من قضية لها علاقة بمنطق الارتجال، وأقصد الارتجال العلمي المدروس، والذي له علاقة بكلّ ما هو واضح في خطواته، مشروع يبدأ من الورقة البيضاء والقصة المراد أن تقوم من حولها كل الأحداث والعلاقات، فكان هناك العديد من العروض منها: “وعكة عابرة، روزالين، النفق.. وغيرها”، واليوم نحن مع هذا المشروع بدأت المسألة من القصة التي يُراد أن نتحدث عنها بيني وبين الطلبة، وأخذت القصص بالتفرع فيما بعد نتيجة لوجود الشخصيات المأمول أن تكون في هذا المكان، وقمنا بدراسة نفسيتها واقتصادها، وحالتها الاجتماعية، وحالتها النفسية الفردية والجمعية وطريقة عيشها، مهنتها.. إلخ، أي ذاتية كاملة لكلّ الشخصيات على أن تكون هذه الذاتية قادرة على الوصول إلى حالة من الاشتباك أو الصراع بينها وبين من يجاورها في المجتمع نفسه، هذا الصراع يُديره الطلاب بتأملاتهم وبقدرتهم على خلق التشويق عبر السمات الخاصة بكلّ الشخصيات، وثمة صراع يدور ثم يصل إلى نتيجة، هو صراع إرادات حتى وصلنا إلى محاولة أخيرة أو لنهاية المشروع، رسمنا عبرها طريقة لرص المشاهد التي تمّ إنتاجها وفق منطق معين لنصل إلى النتيجة النهائية.
الوقت هو الديكتاتور
* يقال إن لديك “ديكتاتورية” في التعاطي مع الشخصيات على المسرح، إلى أي مدى هذه المقولة صحيحة خاصة إنه كان هناك حرص منك على الاشتغال الداخلي لكلّ شخصية من الشخصيات؟
* “الديكتاتور” هو الوقت الذي سيضيع علينا، أي إذا ضاع علينا وقت وهنا يوجد وقت وزمن، والوقت بالنسبة لنا كشعوب ليس له قيمة، ونحن من قلنا «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك»، الحقيقة أننا مقطوعون يومياً كل يوم مئة مرة بسبب الوقت، فليس هناك التزام بالزمن، وبالنسبة لي الوقت هو الديكتاتور عليّ أنا شخصياً، ومن الطبيعي أن يأتي المرء إلى مكان عمله يومياً كي يعمل لا لقص الحكايا، ولا لكي يزّجي نفسه بمنطق لكونه موظفاً، أنا لم أعتبر نفسي في يوم من الأيام هذا الموظف هنا.. نأتي للعمل أنا وزملائي وعلى خطا الأستاذين المرحومين فواز الساجر ونعمان جود وغيرهما ممن أسسوا في هذا المعهد، وكجيلٍ سابق لنا كأساتذة، ونحن نحاول أن نتابع هذا المشوار مع من هم في المعهد، والمسألة لها علاقة بألا يكون لها وقت ضائع قدر الإمكان، فهناك طالب يطلب مني أن أكون موجوداً، وهناك مشرف من واجبه تقديم ما يمكن أن يقدمه لهذا الطالب ويلبي متطلباته، وعلينا كمشرفين أن نقدم كل ما يمكن أن يكون مهماً في حياتهم المستقبلية بعد التخرج في المعهد، لذلك بالنسبة لي الزمن مهم وثمين جداً وعندما تتلكأ بعض الساعات بالنسبة لي يتم تعويضها بأكثر من مجرد دوام رسمي.
توطين الخريجين داخل بلدهم
* هم طلاب، كيف تم ضبط إيقاعهم على الخشبة؟ مشكلتنا أننا نقول عن الأشياء بوصفها مسائل ذات طابع أكاديمي، ولكن ما إن يتخرج الإنسان تصبح القضية عشوائية أو تتلاشى الدفعات في خضم شركات الإنتاج التلفزيوني، ويصبحون مجرد ممثلي تلفزيون أكثر من ممثلي سينما أو مسرح وهما المهملان، هذان الفنان يجمعان الناس وللأسف هذا الشيء يتلاشى دائماً مع بعض الخريجين مع تخطيهم عتبة المعهد وعدم وجود أي نوع من أنواع توطينهم في الأماكن التي يفترض أن يكون فيها مسرح أو مؤسسة عامة للسينما، اليوم نخرّج الطلاب ولا يوجد أي مسؤول من هذه الأماكن ليقول ما يمكن أن يقال بحق هؤلاء أو ما يمكن أن يتابع مسيرتهم، مهمتنا في المعهد العالي كمشرفين وأساتذة هو أن نقوم بواجبنا تجاهه حتى لحظة تخرج هذا الطالب أو الطالبة، وبعد التخرج يفترض أن تكون هناك وزارة الثقافة بكامل منشآتها من مديرية المسارح والمؤسسة العامة للسينما والمراكز الثقافية وحتى التلفزيون السوري وأقصد الإنتاج المحلي، وأن يأتي هؤلاء المخرجون، ويقولون: سنحتفي بهذه الدفعة، وسنرتب لهم مسرحية أو فيلماً لنقدمهم إلى العالم. المشكلة معكوسة يبدو أنه لا فرق إذا خرّجنا طالباً جيداً أو سيئاً، بل هناك حرص من هؤلاء المسؤولين أنفسهم على القول إن هذا تدرب في معهدنا..
قد ندرب ونحتضن هؤلاء الشباب لكن من المؤسف أنهم يخرجون خارج حدود الوطن ويبدعون في المسارح والسينما والتلفزيونات العربية، يفترض أن يوطنوا هنا وأن يكونوا هنا وتكون لهم حاجاتهم كفنانين وفنانات في المسرح والسينما والتلفزيون.
لا أفكر في صناعة نجم
* هل تعتقد أن المعهد قادر على صناعة نجم سينمائي أو تلفزيوني أو مسرحي؟
بالنسبة لي لا أفكر في إنتاج نجم، يمكن البحث عن فتاة جميلة وشاب جميل وهذا سيكون سريعاً من دون الدخول إلى المعهد والدراسة لأربع سنوات، وهنا يفترض أن يكون البرنامج أكاديمياً وعلمياً فيه رصانة منذ السنة الأولى وحتى لحظة التخرج النهائية، أما أن يكون نجماً فهذه مسألة لا أفكر فيها مع طلابي، المهم أن يكونوا ممثلين أقوياء، بعد ذلك يأتي النجوم منهم بعد أن يكونوا قد حصلوا على مصداقية كممثلين قادرين على تشريح أي نص واستخدام الخيال بطريقة مبدعة واستخدام الجسد والصوت والحس، ولا ننسى العلاقات العامة المهمة جداً من خلال حضور بهي على خشبة المسرح، على الأقل حتى لحظة التخرج، بعد ذلك يمكن الحديث عن تكّون هذا الرصيد المهم كممثل، يمكن أن يكونوا نجوماً ومسألة النجم سهلة ولكن مسألة تكوين ممثل حقيقي تحتاج ما احتاجه الكثير من نجوم العالم الذين كانوا في بعض اللحظات ممثلين سينمائيين ومسرحيين ومثقفين مهمين، و”أنتوني هوبكنز” خير مثال، ومسألة أن يكون “ستار” فهذا ممكن أن يكون مع أو من دون الثقافة، ومسألة تثقيف الذات والبحث عن رصيد تكون عبر سنوات طويلة، لكي يكون لهذا الإنسان فيصل قادر على جعله نبراساً أو مثالاً للإنسان المتوازن في مهنة تفتقد في بلادنا العربية التوازن.