في كتابين.. ماجدة قلفة بين أنثى المطر والوجه الخجول
راوية زاهر
امتهنت الكاتبة ماجدة قلفة كتابة الخواطر الشعرية، كما خاضت في عالم الأدب الوجير، فهي عضو في رابطة القصة القصيرة جداً في سورية، وكذلك من الأعضاء النشيطين في فعاليات الملتقى السوري للنصوص القصيرة، فكتبت في جمالياتهما وأبدعت، ولها في ذلك العديد من الإنجازات الأدبية صدرت في كتبٍ منها: “همسات أنثى” الصادرة عن مديرية المطبوعات والنشر باتحاد الكتاب العرب، وكتاب “لرحيلك فصل جديد”، وكان آخرها كتاب “رماد الحب”، إصدار خاص.
ويتشابه الإنجاز الأدبي في الكتابين الأولين، فكانا من الخواطر الذاتية التي تفوح منهما رائحة الحب والحنين والغوص في تفاصيل الوجدان، حيث تعيشُ الأنثى متجاوزةً كل العادات والخوف، وتاركةً لسحابات العشق أن تمطرَ فوقَ أرصفة مدننا العطشى للجمال والحياة.. فعبرت من خلالهما عن الرحيل والحب والعشق والانكسارات والخيبات؛ فإذ بها سكنت آخر الملاجئ، وكتبت رسائل الشوق، واختارت ذراعي الحبيب وطناً جديداً لوجودها، فحكت عن الطفولة والأنثى والخيبة والرحيل، كما طوّعت الكاتبة اللغة لتُعبّر عن مكنونات ذاتها، فمالت بقوة إلى استخدام ضمير المتكلم، وفي أماكن قلة استخدمت ضمير الغائب بلغة المُذكر في محاولةٍ لإشراك المتلقي في الولوج بالمشهد الشعري:
“حدود..
أتذكرُ حين قلتَ أنتِ أنثى مميزة الحضور؟
قلتُ: أريد قلباً لا يخون..
قلتَ: لا تخافي حبّي ليس له حدود..
فمالي أراك غريباً، وعند حدودك لاجئة لا تستطيعُ الدخول”.
وتميزّتْ خواطرُ الكاتبة بميلها إلى النهايات الجاذبة، والصادمة أحياناً، وما تُثيرهُ بذلك من دهشةٍ عند المتلقي، منها على سبيل المثال؛ شغلها على نص (طفلتي)، الذي شغل حيزاً راقياً في الكتاب؛ فقد أعطتُه الكاتبة بعداً اجتماعياً يغوص في عمق الواقع وعاداته وتقاليده البلهاء لطفلةٍ جردوها من طفولتها، وسرقوا دميتها، وسطوا على ضحكتها، ومن ثمّ سلموها لفحل قبيلة الرجال، بحجة أنها ست النساء:. “هي حزينةٌ وضفائرها جزّت، وعُلقت على أستار القبيلة..”.
والكاتبة هنا عاشقة من عطرٍ ومطر، أسرها الحنينُ، وكان لرحيل العاشق فصلٌ جديد، أضافته لرباعية الفصول في تغييرها لقوانين الطبيعة، التي أثرت المجموعة بمعجمها اللغوي الغارق بالمطر والسحب والليل والشموس.. فحضرت الرومانسية لتغوص في عمق الجوارح والمشاعر، وتُعبّر بصدقٍ عن الشعور المرافق للقاء والغياب:
“لم أعلمْ أنكَ مازلتَ طفلاً على الحبّ؛
يلهو كباقي الرجال..
فالقلب يا سيدي مكانٌ مقدس،
لا يدخله أيّ إنسان”.
وتناغمت اللغة عند الكاتبة مع فيض الشعور الوجداني الطافح بالحنين والحزن وآثار الرحيل تارة، ووشوشات الأنثى العاشقة المبللة برهام الحب مذ رفَّ القلبُ، وسطت على النساء قوانين القبيلة، فعبّرتْ بجرأةٍ عن رغبة التغيير والخروج عن جنون القوم.:
“فاعذرني
إن بقيتُ صامتةً..
خائفةً.. ممنوعةً من كلِّ شيءٍ..
إلا أن يُسكنني بالخفاء
حُبّك.”.
وتأتي اللغة عند ماجدة قلفة شاعرية كاملة العذوبة، حملّت ألفاظها أبعاداً معنوية متجاوزة دلالتها المعجمية البحتة، فأنسنت الأشياء، ومالت إلى لغة المجاز العذب والصور الراقصة على نغمات القلب المفعم بالحب واللحن.. (يا غيمة حُبلى بحنين اللقاء)، استعارة مكنية فارهة، إذ شبّهت الغيمة المعطاء المملوءة بالمطر بالمرأة، وهي في صورة العطاء المطلق: (الحبلى).. (العيون كانت الرسول) تشبيهٌ بليغٌ إذ جعلت من العيون رسولاً يحملُ رسائله ومرساله في المكان، لغة خاصة بمراسيل عشقٍ لا تقاوم.. وكما أسلفنا مالت الكاتبة إلى استخدام ضمير المُتكلم ممزوجاً بالخطاب تارةً، والغائب تارةً أخرى، وهذا ما يُميّز لغة الخاطرة في ميلها المطلق للذاتية والخطاب الموجّه والخصوصية.. (طفلتي – أميرتي- لأجلك أنتَ- سألني من أنتَ).. من هنا استطاعت الكاتبة أن تحجز مقعدها في عالم الخاطرة، وهو نوعٌ أدبي يكاد يتلاشى ويندثر، واستطاعت أيضا من خلاله أن تعزف على وتر الشعور المُرافق لتراتيل أنثى الصمت والحضور في آنٍ معاً.