«جنق» شوربة النقد التشكيلي.. بلا بهارات!

زيد قطريب
النصوص النقدية التشكيلية أصبحت بلا حرفية، فهي تصحّ على التجارب المبتدئة والمخضرمة وصاحبة الباع الطويل، كأنّ من يسمون أنفسهم بالنقاد، يطبخون في طنجرة واحدة ثم يوزعون الطاسات على متابعي المعارض كي يشربوا من الإناء نفسه رغم اختلاف التجارب بين فنان وآخر!.
تكاد عبارات محددة مثل “الخطوط المتقنة” و”الألوان الهادئة أو الحارة” و”البعد الفلسفي للوحة” تصبح لازمات يلاحق بها نقاد التشكيل، جميع الرسامين بدءاً من فاتح المدرس حتى الخريجين الجدد الذين يقيمون معرضهم الأول ويغرقون في التجريد كهروب من مهارات التشريح والتلوين وتقنيات الرموز في العمل الفني. فالعموميات دائماً تشكل عامل إنقاذ للمهنة الضعيفة، أما إذا أراد المرء الدخول في التفاصيل، فتلك قضية مختلفة وتستلزم وجود الاختصاصيين النادرين في النقد التشكيلي اليوم.. صحيح أن الصحافة اليومية لا تتحمل نصوصاً نقدية عميقة ومتأنية وعابرة للتجربة الفنية، لكن أضعف الإيمان يكاد يكون مفقوداً عند الكثيرين الذين لا يصرّون على عجن دقيقهم المخلوط ولا يتركون الخبز للخباز كي يعطينا أرغفة تشهّي القلب.
ولأن حال التشكيل لا يختلف كثيراً عن حال الأدب، فإن النقد الأدبي المتورط بتمجيد الهشاشة والهُزال، يبدو أكثر كارثية من نظيره التشكيلي الذي يكتب ما يشبه الخاطرة عن معرض يحتاج إلى تفكيك وتقويم في مسار التجربة التي يخوضها الفنان، وإذا كان البعض يقولون إن النقاد هم مبدعون فاشلون، فإن قساوة هذا الحكم أتت بفعل الخبرات الضعيفة التي تمارس النقد الفني وتتصدر واجهات الصحف من أجل ملء الفراغات في الجرائد الورقية أو “التحديث” في الصحافة الإلكترونية.
في حوار حديث مع الشاعر أدونيس، قال: إن شعراء اليوم أفضل من شعراء جيله السابقين! لكنه ركّز في أمكنة أخرى على غياب النقد الفكري والفني الموضوعي وغير المنحاز إلّا للعقل الذي هو الشرع الأعلى في هذه العملية المتعثرة تاريخياً عند العرب منذ عصر الانحطاط إلى اليوم! تلك الأحكام تبدو مسحوبة على جميع الاختصاصات النقدية، وليس النقد التشكيلي أو الأدبي أو الدرامي الذي ربما يكون من أكثر الواقعين في مطبات غياب القواعد وحضور الأمزجة الشخصية وضياع المعايير.
يحكى عن بعض الفنانين التشكيليين أنهم كانوا يرسلون أصدقاءهم إلى الصالات الشهيرة في البيع والتسويق محلياً وخارجياً، ليسألوا عن لوحات لصديقهم كي يشتروها، ولم تكن تلك العملية سوى بمنزلة دافع كي يذهب صاحب الصالة لشراء بعض الأعمال من الفنان المذكور، رغم أن الزبائن المفترضين لن يعودوا ثانية بعد أن يكون صاحبنا قد شرب المقلب وتورط بشراء بعض اللوحات.
النقد التشكيلي بحاجة إلى خريطة جينية منشورة مع النص كي يعرف القارىء ماذا يريد الناقد أن يقول، فكما هناك أعمال تجريدية مغرقة في الرموز المبهمة، هناك نقد يحتمل كل شيء حتى الذمّ، وبالتالي فإن المحاكمة تكون على نيات الناقد وليس على النصوص” المطلسمة” التي يكتبها أحياناً كنوع من المحاباة لأصدقائه، ومرات أخرى كنوع من الانتقام الشخصي من بعض الفنانين. ربما يكون التركيز على الاختصاص من أهم الخطوات التي يمكن أن تنقذنا من كلِّ هذا، إلى حين إنشاء مدارس مختصة بهذا النوع من الأعمال سواء تحدثنا عن النقد التشكيلي أم الأدبي أم الدرامي، وإلى أن يحدث ذلك، علينا أن نشرب من “جنق” الشوربة التي يطبخها النقاد ويقدمونها كحساء نقدي في كلِّ معرض، من دون نكهة أو بهارات تجعلنا على الأقل لا نصاب بالغثيان!.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
في ذكرى تأسيس وزارة الثقافة الـ 66.. انطلاق أيام الثقافة السورية "الثقافة رسالة حياة" على سيرة إعفاء مدير عام الكابلات... حكايا فساد مريرة في قطاع «خصوصي» لا عام ولا خاص تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا