موسوعة العامية السورية.. والقبض على أصول اللهجة الدارجة
حنان علي:
“ما أروع الكتاب الذي يسرد حياة كلمة ما ومغامراتها، لاشكّ في أن الكلمة قد تلقت انطباعات وآثاراً من الأحداث التي استخدمت لوصفها، لكن ألن يكون أكثر فخامة وجلالاً أن يُنظر للكلمة في بعدها الثلاثي، الروح والجسد والحركة” حسب أونوريه دي بلزاك.
مادامت اللغة الجديدة لغة راقية غنية بأدبها الخاص حاملة سبلاً نفسية وفكرية قوية، فإنها تجرف معها النفسيات الجديدة الداخلة فيها، أما حين تكون النفسيات الداخلة في لغة جديدة قوية فإنها تفعل في اللغة وتكسبها من نفسياتها وتوجهها في التعبير عن احتياجاتها ومثلها العليا، شأن السوريين القدماء في اللغة العربية فإنهم أخذوها من القادمين العرب ولكنهم نقلوها إلى علومهم وأدبهم ومجاري فكرهم فأصبحت اللغة العربية لغتهم القومية تسيطر على نفسيتهم ومواهبهم, وإنَّ من الأسئلة التي تنبه الفكر إلى هذه الحقيقية ما كتب في كتاب نشوء الأمم لمؤلفه أنطون سعادة: ما كانت عليه الثقافة العربية لولا الذي نقله السوريون من السريانية واليونانية إلى اللغة العربية.
موسوعة العامية السورية – كراسة لغوية نقدية في التفصيح والتأصيل والمولد والدخيل لكاتبه ياسين عبد الرحيم، من منشوراة وزارة الثقافة: معجم يضم الكلمات العامية الدارجة في سورية، مثبتاً لفظها ومبيناً معناها ودلالتها في أذهان العامة ومحققاً أصلها، وهل هي تحريف أو تصحيف للفظة عربية صحيحة، أم إنها من لغة سامية كالسريانية أو غيرها أو إنها من السامي المشترك أم إنها دخيلة أعجمية.
الغاية من الكتاب
أوضح ياسين عبد الرحيم غايته من الكتاب بالقول: لكل قارئ أن يحدد الغاية وفق همّه المعرفي واستعداده الفكري ونضجه الثقافي, بالنسبة لي فقد كانت غايتي من تأليف هذا الكتاب اللهو على حدِّ قول البحتري:” أتسلى عن الخطوب وآسى” ، لقد كان ينغصني منذ الحداثة التفكير في ألفاظ معينة ما أصلها ومن أين اشتقت؟ لقد كانت سيماؤها غريبة عني كوجوه الأعاجم وكانت ثقيلة على لساني برغم تناسق حروفها, ثم قادني البحث إلى القبض عليها ومعرفة أصولها ففرحت بها فرح الطفل الصغير بالعثور على لعبة أضاعها, وضاعف فرحي الاهتداء للأصل الفصيح لكثير من الكلمات المحكية التي نستخدمها عاجزين عن الإتيان بمقابلها الفصيح, عدا عن هذا فإن وراء هذا اللهو الخلّاق كان سهر طويل وعمل جاد وشاق سعيت فيه إلى الإتقان ما استطعت.
منهج الموسوعة
لقد التزم ياسين عبد الرحيم خطةً ثابتة تشتمل على الإتيان بالكلمة العامية سماعاً من المنطقة التي ينتمي إليها، أو من كلمات مشتركة بين العامية والفصحى، أو إثبات أن الكلمة مولّدة في صدر الكلام مع الإشارة أن الكلمة ليست أصلاً، بل تكلمت به العامة ثم تبنته الفصحى بعد رسوخه على ألسنة الناس، كما قام المؤلف بترتيب الكلمات العامية ترتيباً ألفبائياً، شرح المعنى العامي للفظة شرحاً مستوفياً، ثم أورد معنى اللفظة بالفصحى والمقابل الفصيح لها، ثم قام الكاتب بإيراد المعاني اللغوية لأصل الكلمة العامية الفصيح بغية إنارتها كالشمعة توضع بين مرآتين فتزداد وضوحاً, ثم عمد أخيراً إلى تأصيل الكلمة وردها إلى كلمة اشتقت منها عربية أو غير عربية, ليذكر بعدها ياسين عبد الرحيم أخطاء المعاجم وأخطاء العلماء في التأصيل وأخطاء النقل، ثم أورد فصلاً عن الدخيل الذي عرفه بأنه نقل اللفظ من الأعجمية إلى العربية والمشهور فيه التعريب, ثم عرّج على الأسلوب الافتراضي من حيث اللجوء إلى التفسير والتأويل اتباعاً لأسلوب أصحاب الإفتاء في الزمن القديم.
وفي النهاية لابدّ أن نذكر في مقالتنا بعضاً من أصول الألفاظ العامية كما وردت في الموسوعة : فكلمة أندبوري: أي فقير الحال مأخوذة من التركية، وقيل إنها فارسية, أما إيد: فصيحها يد من السريانية (ido) – إيدو بتمو: كناية عن الفضل/ إيدو خفيفة أي يعمل بمهارة/ إيدو طويلة : أي يتصف بالسرقة/ إيدو عقلبو كناية عن الخوف/ إيدي بزنارك: كناية عن طلب المساعدة/ إيدو فيها للباط : كناية عن التورط/ فيما لفظة (بسطَ) الموضوع: فتعني يسّره ، وهي مولَّد قديم دخيل, تعني كلمة تمسكن: أي تظاهر بالمسكنة ويقال سكّن وهي من السريانية( etmaskan) ، أما جزدان: أي محفظة النقود (فارسي) وقيل في أصله أنه مركّب من جزء العربية و”دان” الفارسية, بينما تفسر كلمة جواني: داخلي وهو خلاف البراني ومأخوذة من السريانية (gawoyo).