بايدن يمتهن ذرو النار

عبد المنعم علي عيسى:

منذ أن اندلعت النار الأوكرانية ، التي كان لواشنطن دور أساسي في إذكائها ، جهدت السياسات الأمريكية نحو مدها بالوقود اللازم لدوامها ، بل ولإمكان تمددها إذا ما اقتضت المصالح الأمريكية فعلاً من ذلك النوع ، وفي السياق كانت واشنطن تعمد أيضاً إلى إعطاب عجلات “الإطفائية” ، أي إطفائية ، قبيل أن تتحرك لأداء مهمتها ، تماماً كما فعلت مع “الإطفائية” الإيطالية التي ما أن باشرت الانطلاق حتى اكتشف القيمون عليها أن خزانات الماء فيها فارغة.
زار الرئيس الأمريكي اليابان يوم الإثنين الماضي ، وهو وصلها قادماً من كوريا الجنوبية ، وكلا المحطتين تمثلان -من وجهة النظرة الأمريكية-  ركيزتين أساسيتين في مواجهة ما تطلق عليه واشنطن “الصعود الصيني” ، وفي كلا الزيارتين اللتين كانتا أشبه بفعل ذرو النار ، عمد بايدن إلى تجديد تهديداته لروسيا التي قال إنها “يجب أن تدفع ثمناً طويل الأمد” ثم ذهب باتجاه توسعة رقعة النار حين قال “الأمر لا يقتصر على أوكرانيا فقط” لأنه إذا لم يتم الإبقاء على العقوبات فأي “إشارة سوف توجه إلى الصين حول ثمن محاولة السيطرة على تايوان بالقوة ” ، قبيل أن يذهب في سياق هذه النقطة الأخيرة إلى مديات أبعد حين قال إن الولايات المتحدة “ستدافع عن تايوان عسكرياً في حال تعرضها لغزو صيني”.
تعتمد الولايات المتحدة في مواجهتها ل”الصعود الصيني” على إستراتيجية متعددة المحاور ، لكنها ترتكز بشكل أساسي على محورين اثنين ، أولهما ضرب حصار اقتصادي حول الصين في محيطها الطبيعي ، ثم محاولة توسعته ، مما يختصره مبدأ ” اندو باسيفيك ” الذي أطلقته واشنطن مؤخراً، وهو يقوم عملياً على شراكة تجارية ما بين الولايات المتحدة وبين 12 دولة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ، ليس من بينها الصين التي تعتبر العمق الأساسي فيهما ، أما المنهجية فتقوم على محاولة تشجيع الانقسام و التحريض على المواجهة كوسيلة لضرب الاستقرار الذي يقود حتماً إلى كبح جماح عجلة النمو الاقتصادي للصين، وثانيهما استخدام ورقة تايوان ببعدين متوازيين، العسكري- الاستفزازي والاقتصادي، لكن الأهم ما بينهما هو الأول دون أن يعني ذلك تهميشاً للثاني الذي يتمثل بضم تايوان لمحور “اندو باسيفيك” سابق الذكر .
تقول جل المؤشرات، وكذا الوقائع ، أن عزل الصين هو أمر مستحيل ، بل إن من يحاول القيام بالفعل سيكون أشبه بمن يقوم بعزل نفسه ، فالصين باتت الشريك الأساسي التجاري لمعظم دول آسيا ، فيما سياساتها المرنة ، والبعيدة عن التشنج و محاولات ربط الشريك بشروط تمس السيادة ، تصبح أشبه ب “الجرافة ” القادرة على شق الطرقات غير المسلوكة سابقاُ، ولذا نرى واشنطن تركز الآن على المحور الثاني ، الذي تمثله ورقة تايوان ، وما زيارتا بايدن اللتان قام بهما لليابان و كوريا الجنوبية مؤخراً ، إلا محاولة لتنشيط تلك الورقة عبر العمل على  زيادة التنسيق في سياقات الاستفزاز وتنمية نزعة العسكرة بمديات أبعد مما فعلته طوكيو التي أعلنت عن زيادة ميزانيتها العسكرية بمعدلات تصل إلى 2 % .
واشنطن اليوم ، أمام التداعيات الخطرة الواقعة على الاقتصادات الأوروبية وكذا العالمية ، ترى نفسها معنية بذرو النار كوسيلة ، تراها وحيدة ، لاستمرار هيمنتها التي تشير الكثير من المعطيات إلى أنها دخلت طور الأفول.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار