عالم الأوبئة والشرور.. الزومبي على الأبواب
إدريس هاني
كلّ ما يتهدّد الوجود هو تلويح بالعدم، كل تلويح بالعدم هو الشّر. بلغت الإمبريالية ذروتها، وبات الشّر عنوان مرحلة انتقالية موجعة، ستدفع البشرية ثمناً باهظاً، في صورة حروب مدمّرة؛ خراب، أوبئة، أمراض وجوائح. باتت البشرية في ذروة الانتشاء العلموي وأيديولوجيا السيطرة على الطبيعة، تدفع ثمن كورونيات معدّلة قبل أن تجد نفسها في القروديات التي لا ندري لأي وباء قادم ستسلّم مشعل الشّر.
الوباء عنوان بشرية في منعطف كبير، فرضته إمبريالية الشرور عبر التحكم بمصير الديموغرافيا والموارد البشرية والمستقبل، لقد خرج الوباء من (قمقمه) وهو ليس كالأوبئة التي دهمت حياة البشر بشكل طبيعي في مواسم متفرقة، فهذه فيروسات مصنّعة في مختبرات سرّية، فيروسات طائشة في حروب جرثومية غير معلنة، كانت معدّة لتدمير بلدان لا يملكون تهديدها بالسلاح التقليدي ولا النووي.
تنطوي الإمبريالية على أنواع من الشرور؛ إنّها باندورا وصندوقها المريع والمملوء بعجائب الشرور، هناك تصعيد لافت للاحتلالات، للحصار، لتزييف الثقافة بما فيها الاستهلاكية، الحروب، الأوبئة، انهيار المعنى والقيم، إنّهم يحضِّروننا لملاحم الزومبي : كائن غريب، لا يعي شيئاً، مفترس، فقد إنسانيته، لغته وماهيته…لقد بلغت إمبريالية الشرور مرحلة التدمير الشامل بما فيه التدمير الذّاتي.
ستتفكك كل أشكال التعاقدات الاجتماعية.. الزومبي آت لا ريب فيه، خلايا الكائن تتغير، مناعته تنهار، مستلب في شروره، ستفيض دماؤه قبل ذوبان الجليد، لا تحتاج الأقنعة للسقوط، فالزومبي غير معني بالوجوه؛ هي كائنات تكاد تتشابه في انحلالها البيولوجي، في سحنتها المسخية، حتى النفاق سينتهي، فهي كائنات قاصدة في افتراسها.. في عالم الزومبي يستوي اليمين واليسار، فانقلاب الماهية ينتهي بمجتمع زومبي تُدك فيه الطبقات وتتحقق فيه ديمقراطية زومبي يتعاقد على الافتراس واللاّمعنى.
سخرت الرأسمالية من القطيع البشري؛ فالعموم المنتشر كالجراد، استغرقته فكرة مجتمع الرفاهية عبر أحلام اليقظة، لم يشهد البشر أنماطاً من أحلام مجتمع الاستهلاك مثلما شهدته البشرية. كان الإنسان البدائي يعيد إنتاج نفسه عبر الأحلام، فيجد سعادته في التكرار والنظام الذي تضمنه الطبيعة، غير أنّ الإنسان الحديث يحلم جزافاً بعالم من المكتسبات تبدو قريبة بينما هي مستحيلة، لسبب بسيط، هو أنّ التوفيق بين الاستهلاك العمومي والنذرة ، يجد تعويضه في الحلم، طورت الليبرالية تقنيتين : الأولى كيف تجعل القطيع البشري يحلم بلا انقطاع، الثانية حين خلقت للقطيع البشري أنماطاً جديدة من الاستهلاك الوهمي. كانت الإمبريالية هي اليد الضاربة لرأسمالية متوحّشة باتت عابرة للحدود والأذهان والخلايا العضوية، إمبريالية ابتلعت الوجود، حتى فقد الكوكب القابلية للتجديد.
خضع العالم لخضّات بيولوجية، واستنشق من الوباء ما لا قبل له به، وأصابه من التلوّث ما لم يصب البشر من قبلُ، أرى أفواجاً من الزومبي تعتمر القبعات بربطات عنق، تتبختر في انتظار ساعة الصّفر لتجهز على المدينة، في انتظار ليل السيّاب في المومس العمياء:
الليل يطبق مرة أخرى، فتشربه المدينه
والعابرون، إلى القرارة… مثل أغنية حزينه.
وتفتحت كأزاهر الدفلي، مصابيح الطريق،
كعيون “ميدوزا”، تحجر كل قلب الضغينة،
وكأنها نذر تبشر أهل “بابل” بالحريق
من أي غاب جاء هذا الليل؟ من أي الكهوف
من أي وجر للذئاب؟
من أي عش في المقابر دف أسفع كالغراب؟.