في «بيت السينما»…”ستموتُ في العشرين” بنبوءةٍ قدريةٍ مشؤومة!

جواد ديوب

عاود «بيت السينما» وهو أحد مشاريع المؤسسة العامة للسينما نشاطه في صالة كندي دمشق بفيلم سوداني نادر هو«ستموت في العشرين» لمخرجه أمجد أبو العلا.
وعن هذه العودة حدّثنا المخرج الشاب فراس محمد/مُشرف البيت، فقال: بعد توقف لمدة سنتين بسبب «كورونا»، نرجع إلى جمهور بيت السينما بفيلم منتظر هو “ستموت في العشرين”، لكونه فيلماً عربياً أنتج حديثاً عام 2019، ونال جائزة “أسد المستقبل” في الدورة السادسة والسبعين لمهرجان البندقية عن أفضل عمل أول لمخرجه، كما فاز بالجائزة الذهبية لمهرجان “الجونة” المصري في دورته الثالثة، ويحمل من الأفكار والجماليات ما استدعى نقاشاً وجدالاً بين الجمهور كما حدث في نهاية العرض… وهذا من أهم الأهداف التي أطلق من أجلها بيت السينما…على أننا سنعرض في النشاطات القادمة الأفلام الاحترافية القصيرة التي لا يشاهدها الجمهور عادةً إلّا في مهرجانات السينما المتوقفة للأسف.

حكاية الفيلم
أي عبءٍ مُهلِكٍ أن تحملَ – منذ ولادتك- نبوءَةَ موتِك على كاهلك؟ أيُّ رعب يمكن أن تعيش فيه؟ أيّ معنى لكامل حياتك وأنت تعلم مسبقاً أن رياح الزمن ستقتلعك باكراً حتى قبل أن تنضج كفايةً لتصنعَ أثراً أو تترك بصمةً أو تُنجزَ اختلافاً؟.
يحكي الفيلم قصة شاب يتنبّأ له شيخُ المزار بأنه سيموت في عمر العشرين، إذ حين جلبته والدته لتتبارك به في أحد المقامات الدينية حيث يجري طقسُ احتفال ديني، يسقط أحد دراويش أو مريدي الشيخ مصروعاً على الأرض، فيحسبُ الشيخُ ذلك علامةَ سيئةً تُنذر بموتٍ مبكّر للطفل “مُزمّل.
يكبر “مزمّل” وفي عينيه حزنٌ قاتمٌ، وفي جسده حياةٌ ناقصةٌ مخنوقة، مرّةً بحرص والدته الشديد ووقوعها أيضاً تحت وطأة انتظار موت ابنها وهي تعدّ الليالي والأيام بعلاماتٍ ترسمها على جدار البيت، ومرة بتعاليم وتحريمات شيخ الكّتاب ودروسه الدينية، ومرة تحت ثقل غياب الأب وسفره الطويل للعمل خارج السودان… حياةٌ مبتورة، وجسدٌ فتيّ البنية فيه جموحٌ مكبّلٌ لم تستطع أن تطلقَ توهّجَهُ شمسُ السودان اللاهبة، ولا لهفةُ الفتاة التي أحبّت مزمّل ورجته بعاطفةٍ صادقة أن يتزوجها بدلاً من أحد شباب القرية.
لكن النقلة أو الانبعاث من برزخ الموتِ ذاك يحدث حين يلتقي “مُزمّل” بشخصية “سليمان” المخرج السينمائي الذي عزل نفسه في “الحيّ الإنكليزيّ” شبه المهجور، بعيداً عن كل ما يجري في القرية، العمّ سليمان كمعادلٍ رمزيّ لأفكار الحداثة التي يقف السودان على تخومها (أو التي ضيّعها وجلس ينوح عليها في نوستالجيا مستحيلة ولم يعرف أن يستفيد من أنوارها)، بل يقف مواجهتها رافضاً رياح المعاصرة الباردة، ومانعاً إياها من أن تخفف لهيب فكر ماضويّ تقليدي يكاد يحول أناس ذاك المكان إلى مجرد أحجارٍ وأعشاب يابسة وبقايا بشر وكائنات.
لنصل إلى النهاية بموت المخرج سلميان الذي أوصلته كآبته وعبثيةُ الحياة إلى “الانتحار” بعد أن علق في مصيدة اللا جدوى من كل شيء، في تضادٍ مع ما وصل إليه الفتى “مزمّل” في اليوم المنتظر، إذ إنه جرّب للمرّة الأولى غوايةَ الخطيئة/المعرفة، عِبرَ جسدِ الأنثى (حبيبة سليمان)، معرفةٌ توقعه مغشياً عليه معتقداً أنه مات، لكنه يستيقظ من غيبوبته ويبدأ الركض خلف الشاحنة الوحيدة التي تنقل أهل القرية خارج أيامَ ضجرها ويباسها، ربما في إحالةٍ رمزية من أبو العلا إلى أنّ بدايةَ كل شيء كانت “خطيئةً” قادتِ البشرَ إلى الجري خلفَ أقدارهم في جنّتهم وجحيمهم الأرضيّ هذا.
المخرج أبو العلا بنى شريطه السينمائي بدراية شخصٍ خَبِرَ البيئة السودانية ونكهاتها المعجونة بطين تلك القرية النائية و وحل ضفافها على نهر النيل، جاعلاً كل مشهد يبدو تحت شمس أفريقيا كما لو أنه لوحةً تشكيلية تنوس بين وهج الحرارة المضنية وظلال البيوت الترابية المنعشة وغلالات زرقاءَ شفافة على نوافذها، وظّفها بذكاءٍ يذكرنا بالتجاور أو التضاد بل بالتعاشُقِ اللونيِّ في اللوحات التشكيلية بين الألوان الحارّة والألوان الباردة.
إلّا أن أبو العلا لا يجعل من “الحداثة” الحلَّ الوحيد والنهائي، لمجرد أنها كونٌ يُحيل إلى الآخر والمختلف بوصفه مغامرةً حلوة تستحق الجرأة في المضي نحوها، إذ يجعلنا في مشهد الأم التي رقصت ألمَها واحتقانَ سني انتظارها المُرّ، يجعلنا نكاد نغمى معها وسط هيجان الموسيقا السودانية الحارّة، والإيقاع الأفريقيّ بتأثيره المُخدّر الغريب… كما لو أن أبو العلا يتقصّد أن يُسري جينات بيئته في نسغ مشاهِده وهو يعلم أنها ستسري في أفكارنا وأجسادنا وذاكرتنا أيضاً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إصابة مدنيين اثنين جراء عدوان إسرائيلي استهدف منطقة القصير بريف حمص (وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه سورية تترأس اجتماع الدورة السادسة للمجلس العربي للسكان والتنمية في القاهرة الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان