لماذا تغلّبت «باربي» الأميركية على «ليلى» العربية؟

هدى قدور

لم تستطع اللعبة “ليلى” العربية الصمود طويلاً أمام “باربي” الأميركية, وبرغم أن العرب ليسوا ضعفاء على صعيد رأس المال وإمكانية استيراد التكنولوجيا والخبرات من أجل صناعة ما يناسب ثقافتهم، إلّا أن “باربي” الأميركية بقيت في الصدارة واستطاعت أن تتجاوز المنافسة، ولم يبقَ من “ليلى” العربية سوى قصتها مع الذئب التي تحكيها الجدات للأطفال.
كان الأجداد أكثر براعة في اختراعهم القصص التي تحولت إلى تراث عالمي، لكن الأحفاد لم يستطيعوا الإضافة على ذلك التراث إلا قليلاً، وتالياً لم تكبر “ليلى” ولم تتمكن من مضاهاة التطور التكنولوجي وثقافة «الأنيميشن» وأفلام الكرتون الموجهة للأطفال، فبقيت ملتزمة بالدرب الطويل والقصير الذي يفترض أن تسلكه عند إيصال الطعام لجدتها بشكل آمن كي لا يلتهمها الذئب.
يمتلك العرب الإمكانات التي تؤهلهم للاعتناء بليلى وإعطائها دوراً أكبر من القصة التراثية المعروفة، لكن صناعة لعبة باسم “ليلى” لم ينجح كما كان مأمولاً، وبقيت “باربي” مسيطرة على عربية الأطفال وأذهانهم, وقد يرجع ذلك إلى مشكلة التفكير الثقافي الاستراتيجي وتبني المؤسسات الضخمة له، ومشكلة غياب المشروع الكبير عن التفكير الفني والثقافي العربي, فقضية نجاح ليلى في منافسة باربي والتغلب عليها يحتاجان تأسيساً كبيراً وطويلاً وصبراً وأناة ومهارة في العمل إضافة إلى الدعاية والإعلان والتسويق المناسب، وهذا كله لم يتوفر بالشكل المناسب لليلى التي كان عليها مواجهة باربي بأدوات بسيطة برغم أنها الأقدم تاريخياً.
استطاعت الثقافات الأخرى مضاهاة الثقافة الأميركية في صناعة “الأنيميشن” والألعاب، فاليابان والصين قدمتا أفلاماً عالمية ومسلسلات أخذت شهرة كبيرة عند جميع أطفال العالم، فيما لم يتمكن العرب من فعل ذلك، برغم أن الإمكانات المادية متوفرة إضافة إلى سهولة الاستعانة بالخبرات الأجنبية من ناحية استخدام البرامج والتقنيات التي تصنع بمهارة تلك الأفلام.
الأمر ينطبق على مسلسل “توم وجيري” الموجه للأطفال والذي يتابعه الكبار مثل الصغار، فالعرب لم يتمكنوا من صناعة “كاركتر” أو شخصية ذات صفات معينة تناسب بيئتهم وثقافتهم، وبقيت ثقافة الأطفال معتمدة على بعض المجلات التي تطبعها وزارات الثقافة العربية والتي تتضمن إرشادات وعظية تطلب من الأطفال ضرورة الالتزام بالنظافة والنجاح في المدرسة وإطاعة الأم والأب.
من الواضح أن الفنون الموجهة للأطفال العرب تعاني مأزقاً نتيجة تطور العصر وغياب المؤسسات الداعمة وانعدام الرؤية الشاملة وهي بمجملها مشاكل معرفية أكثر منها مشاكل مادية تتعلق بتوفر التمويل، فالمال موجود عند العرب لكن ما ينقصهم هو اتخاذ القرار وتوظيف الإمكانات من أجل إعادة بناء “ليلى” وتقديمها بشكل مختلف وجديد ينافس الثقافات العالمية، وهذا الأمر يصح على أفلام الكرتون التي ليس من الصعب إنتاجها بالشكل الحرفي المطلوب, وسيبقى الأطفال العرب بانتظار إنتاج فني يناسب تطلعاتهم وذهنيتهم وإلى أن يحصل ذلك سيبقون بانتظار وصول ليلى من الدرب القصير إلى جدتها، وسيتمنون بالتأكيد ألّا تسلك الدرب الطويل فيلتهمها الذئب وتموت الجدة من الجوع.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إصابة مدنيين اثنين جراء عدوان إسرائيلي استهدف منطقة القصير بريف حمص (وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه سورية تترأس اجتماع الدورة السادسة للمجلس العربي للسكان والتنمية في القاهرة الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان