سادية الفنون وانتقام الإنسان
زيد قطريب
اعتداءات ممنهجة ضد الحواس، وخليط أعشاب ، يشرب منقوعها الجمهور أربع مرات في اليوم، حسب ما تحدده “روشيتات” الدراما ونشرات الأخبار وباعة الخبز اليابس الذين يصرخون في الشوارع مطالبين البشر ببيع كراسيهم المكسّرة وخبزهم اليابس!
المتابع هنا، ليس صفحة بيضاء بالتأكيد، لكن دفاتره ممتلئة بالخربشات التي يملؤها آخرون بذريعة أنهم نخب مهمتها صياغة الذائقة وتحديد كمية العنف التي يجب أن تمارس على شبكية العين حتى لا ترى أبعد من الأنف، وضد الأذن حتى لا تسمع ، وعلى الروح كي تكون أليفة سهلة !
سيبدو العنف في الفنون نتيجة طبيعية لفائض القوة، و عندنا الهزال والهروب من الرقابة وتعميم الرداءة سيتكفل بالموضوع على شكل “ساديات” ضخمة تفرم في آلاتها ما تبقى من مشاعر تؤكد أننا أحياء. في الشارع وأمام الشاشات نحن مستسلمون للتنمّر، لأن هناك من هم أدرى بشعابنا، وكل ما يجب أن نفعله هو تناول خلطة الأعشاب أربع مرات في اليوم لأنها الكفيلة بتعديل مجسّاتنا بشكل يناسب ما يراه أصحاب رأس المال وغيرهم أنه الأفضل لجعلنا متذوقين بمخيلة ملساء تستقبل النقوش بسهولة ورضا.
ربما لا نكون سذجاً إلى هذه الدرجة، لكننا نتعامل كمختلين عقلياً هرباً من سادية الجماليات المفروضة بالقوة، وسيكون ذلك أفضل من تحولها إلى سادية جسدية منتقمة ولئيمة لن نقدر على مواجهتها ونحن نجلس أمام الشاشة كي نشاهد الفجيعة بمتعة منقطعة النظير، أو عندما نركب الحافلة مسلمين آذاننا ل”الشوفير” مع المئتي ليرة كي يعيد صياغة حواس سمعنا !
المسألة بسيطة، فنحن لن نستطيع تقويم “القتّاية” وبالتالي سيكون تحويل تلك الساديات الكثيرة إلى مازوخيات تمارس ضد النفس، أسهل من المواجهة مع الممثلين والكتاب الطارئين والباعة في “طراطير” الخبز اليابس وشركات الإنتاج، الذين بدورهم يخضعون لساديات يحولونها إلى انتقامات كي تتم اللعبة حسب المخطط. هكذا يتم بناء السلسلة الوراثية للمنتج والمؤلف والنجم والمتابع والمشرع، بحيث يتبادل الجميع ممارسة السادية حسب أمكنتهم كي لا ينقطع نسل العنف في المسلسلات والكتب ومقطوعات الموسيقا والسلوك العام في الشارع، إلى درجة يهرع فيها ممثلو الضحايا في المجالس إلى محاكمة المسلسلات التي تشذ عن القواعد في كل المجالات.
نسير بلا مشروع، ونختلف على المسلّمات. ليس فقط لأننا “قرطة ناس مجمّعين” كما يقول زياد الرحباني. بل لأن هذه “الأوبة” التي هي نحن، لا تقدر أن تحقق ذاتها، إلا بمستوى انتهاك الآخر والنيل منه “ومرمطته” أو “تجريسه”. هذا كله يعني أننا مختلون عقلياً ونحتاج الى أطباء نفسيين .