ماوراء ظاهرة تربية الحيوانات الأليفة ..تعويض للنقص أم حاجة اجتماعية؟ الدكتور حفاف: تجلب الكثير من الأمراض لأفراد الأسرة
بارعة جمعة:
كثيرةٌ هي العادات حديثة النشأة في المجتمعات العربية، والتي كانت نتيجة التأثر بثقافات أخرى، ما جعل لأسلوب حياتنا نوعاً من الغرابة أحياناً، كما هو الحال في تربية القطط والكلاب، التي تُصَنَّف من الحيوانات الأليفة، ولاقت استحساناً من بعض الناس.
أكثر وفاءً
ولأن ما يعيشه الإنسان من تجارب يومية وعلاقات متغيرة مع محيطه تؤثر حتماً في سلوكه وانطباعاته عن بني البشر، أرجع الكثير من محبِّي هذه الحيوانات ميولهم لتواجدها ضمن منازلهم أمثال الشاب “غيث محمود” كأسلوب للرد على التجارب غير الناجحة مع أصدقائهم، ومن ثم إسقاط أحكامهم عليها باعتبار الكلاب التي تحمل رمز الوفاء والإخلاص أفضل شريك مقارنةً بالأصدقاء.
في حين شكلت “السلاحف” حاجة ضرورية لدى “مايا العلي” لاعتيادها على اللعب معها منذ الطفولة، واعتبارها نوعاً من جلب الرزق للعائلة والمنزل على حدّ تعبيرها، على عكس القطط والكلاب التي لم تلقَ استحسانها نهائياً.
ميول نفسية
كما يلجأ بعضهم لجلب هذه الحيوانات للاستئناس بها، والتعويض عن فقدان الحياة الأسرية لديهم، حيث لم يكن للستيني “سامي محمد” ملجأ إلا القطط التي لازمته حتى في السرير أثناء النوم، معتبراً أنها المؤنس الوحيد له بعد انشغال أبنائه عنه، مضيفاً: “أشعر بأنها أحد أفراد عائلتي أو طفل يخصني، أقدم لها الطعام والرعاية الصحية بشكل دوري، بناءً على إشراف طبيب مختص”.
والغريب ما نلحظه اليوم من اختصار لمفهوم الإنسانية بالعناية بالحيوان فقط حسب تعبير الموظفة “رجاء محمود”، نافيةً هذا المبدأ لجهة حاجة الكثير من الأطفال للرعاية والاهتمام ضمن البيوت، على خلاف حاجة الحيوان لهذا الفعل، لكونه خُلق بطبيعته للعيش ضمن أسلوب حياة معين في الطبيعة.
شروط صحيَّة
ولا تحمل هذه الظاهرة من الإيجابيات شيئاً مقابل السلبيات الناتجة عنها برأي الدكتور البيطري “إبراهيم حفاف”، لكونها تجلب الكثير من الأمراض لأفراد الأسرة، نتيجة الاحتكاك المباشر معها، ولاسيما الأطفال، فيما يُعتبر الضرر أقل للكبار لارتفاع المناعة بالنسبة لهم.
ومن الأفضل برأي الدكتور “حفاف” عَرض الحيوان على طبيب بيطري مختص، لأخذ لقاحاته وأدويته المتمثلة بمضادات للديدان ومكافحة الحشرات قبل جلبه للمنزل، إضافةً للمواظبة على زيارة الحيوان لعيادة الطبيب بمعدل مرة كل شهر أو شهرين على الأقل.
كما أن لتواجد أمراض مشتركة للحيوان واحتمالية انتقالها للإنسان مثل: (أكياس الماء عند النساء والديدان الشريطية) الناتجة عن القطط والكلاب، بواسطة الروث الناتج عنها، ناهيك بـ “داء الكلب” بالنسبة للكلاب، ما يؤكد ضرورة التخلص من هذه الفضلات بشكل يومي، والالتزام ببرنامج اللقاحات بشكل دوري.
واللافت اليوم اندفاع الكثير من الناس لتربية الحيوانات الأليفة، حيث شكلت نسبة الإقبال على هذا الفعل ٩٠% لدى البشر وأغلبهم من النساء حسب توصيف الدكتور “إبراهيم حفاف” نتيجة المتابعة المستمرة للحالات الواردة إليه، والتي غالباً ما تكون بدافع التسلية وملئ الفراغ فقط، ونفى “حفاف” إطلاق صفة الأمان المطلق لأي نوع من هذه الحيوانات لعدم القدرة على ضبط ردود أفعالها، باستثناء طيور الزينة مثل: (الكروان والحسون وطيور الجنة)، وأنه في حال وجود الرغبة بامتلاك حيوانات مثل القطط والكلاب، فمن الأفضل وضعها ضمن حديقة المنزل والتواصل معها عن بعد.
دوافع وأسباب
بينما شكلت فكرة الهروب من الواقع والإحساس بالوحدة والافتقار للصداقات الحقيقية أو العلاقات العاطفية الناجحة، إضافة للشعور بالراحة نتيجة هذا الاهتمام أهم الأسباب والدوافع الكامنة وراء الاهتمام بتربية الحيوانات برأي المرشدة النفسية ورئيس دائرة البحوث في حلب “هدى الحسن”، كما أن تعويض النقص العاطفي باقتناء حيوان أليف أو الشعور بضعف الثقة بالنفس وانخفاض تقدير الذات، تجعل من الفرد أكثر ميلاً للاهتمام بالحيوانات على حد تعبيرها.
وما يجهله بعضهم من المنعكسات النفسية لهذه الظاهرة هو انخفاض مستوى هرمون “الكورتيزول” المسؤول عن القلق والتوتر، لكن في بعض الأحيان يُعتبر إشارة لإصابة الشخص “بالاكتئاب” أيضاً حسب توصيف “الحسن”.
وفي النظر لمثل هذه السلوكيات التي تُعد عادية في حال لم تصل لدرجة التعلق بها فهي أمر طبيعي، وبإمكاننا الاعتماد عليها كوسيلة لتدريب الطفل على الإحساس بالمسؤولية، أو لتعزيز فكرة معينة لديه حول الاختلاف عند الكائنات الحية، والتقليل من فرط النشاط المرتبط بمتابعة الحيوانات، والذي يسهم بزيادة انتباه الطفل أيضاً.