أين أخفقت السياسات الاقتصادية وأين أصابت في إدارة الأزمات المعيشية المتلاحقة؟
بعد طي عقد ونيف على الحرب الطاحنة على السوريين والعقوبات الاقتصادية الظالمة، ولقمة السوريين تتأرجح بين فشل هنا أوهناك في أزمات متلاحقة، والنتيجة على حساب ما تبقى من فتات عيش المواطن .. أزمات متلاحقة دفع ثمنها السوريون بدءاً من لقمة الخبز وارتفاع سعر الأدوية وليس انتهاء بضبط السوق والرقابة على الأسعار، ليبقى السؤال: أين أخفقت السياسات الاقتصادية في إدارة الأزمات وأين أصابت؟ هل الأزمة فعلاً في نقص القادة الإداريين.. ما الحلول لترميم ما يمكن ترميمه؟
الحرب شماعة !
لم يتذكر أبو محمد إيجاد حلول مباشرة لأي مشكلة تتعلق بتفاصيل الحياة المعيشية، وأكد لـ(تشرين), وهو الذي اختبر تفاصيل الظروف التي مرت على البلاد والعباد خلال هذه السنوات، أنه كمواطن يدرك تماماً الظروف والضغوطات الخارجية أو الحصار وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية، لكن من وجهة نظره أن سعر ربطة البقدونس صار مرتبطاً بسعر الصرف أو الحرب، فالمشكلة ليست بالحرب التي أصبحت شماعة بدءاً من لقمة الخبز وليس انتهاء بتأمين المازوت، وإنما تكمن بضبط الأسعار وغياب المحاسبة ويختم: لقد أصبحت الأغلبية العظمى على حافة الجوع.. أبو محمد يمثل السواد الأعظم من الناس البسطاء الذين دفعوا الضريبة في ظروف الحرب والسلم في كل شيء.
بعض التصريحات..!
في تصريح إعلامي يؤكد رئيس جمعية حماية المستهلك عبد العزيز المعقالي أن أسعار المواد الغذائية في البلاد مرتفعة بنحو40% عن أسعار المواد ذاتها في معظم الدول العربية.
وبين أن الإجراءات غير المدروسة من أكثر العوامل التي تسهم في خلق فوضى في الأسواق والأسعار ورغم وجود ظروف دولية ترافقت مع الحرب الأوكرانية إلا أن جملة الإجراءات والتعقيدات وحالة التلاعب في السوق من بعض التجار لها الأثر الأكبر في ارتفاعات الأسعار الأخيرة.. الخطاب هو ذاته !
إذاً السؤال لأهل الشأن: أين أصابت السياسات الاقتصادية في إدارة الأزمات المعيشية وأين أخفقت.. هل من حلٍّ ترمم به ما أمكن ترميمه؟
يرى الخبير والباحث الاقتصادي الدكتور عبد الرحمن تيشوري أن الأزمة هي ذلك الحدث المفاجئ السلبي الذي لا يمكن تجاهله أياً كانت المؤسسة، الأمر الذي يؤدي إلى تدمير تلك المؤسسة، لذلك وحتى نكون علميين فإن قراءة الإدارات للأزمات تبين عدم اتباع أو ممارسة لمبادئ الأزمات من النقابيين لأن الخطاب بقي هو ذاته في زمن الحرب والسلم لا بل هو الأسوأ بدل أن تتغير الآليات.
ويضيف: لقد أخفقت الإدارات في إدارة أزماتها منذ عقود، ولم تحل أي أزمة بدءاً من أزمة السكن مروراً بالتضخم وارتفاع الأسعار، وليس انتهاء بانخفاض الأجور. ووفق د. تيشوري فإن هذا دليل على فشل واضح في كثير من الملفات وهو يدل على عدم توفر خبراء في الإدارة، علماً أنه تم إحداث المعهد الوطني للإدارة العامة ومعاناتنا في هذا المعهد أنه لا تتم الاستفادة من الخريجين، إذ يعاني الخريج الإقصاء من الإدارات.
تنفيذ الإصلاح الإداري
يؤكد د.تيشوري أن الإدارة الرشيدة هي السلاح ويكمن الحل في الاعتماد على الإداريين في إدارة المؤسسات ومن وجهة نظره إن مدى حلّ المشكلات هو معيار تصنيفها، مشيراً إلى أن الإدارة مهنة بخلاف المهن الأخرى لأنها تعتمد على الخبراء لتبقى الحلول هي ضرورة تنفيذ مشروع الإصلاح الإداري، وتغيير آلية تسمية المديرين إلى جانب رفع الرواتب وإعادة تقييم لتجربة المعهد الوطني للإدارة العامة.
التركيز على التحديات
يختلف الخبير في إدارة المخاطر د. ماهر سنجر في وجهة نظره قائلاً: لا يمكن الحكم بشكل مطلق على موضوع نجاح أو فشل السياسات الاقتصادية، فالموضوع نسبي، ويرتكز على عدة عوامل، أولها الأسباب ويليها طرق العلاج وليس انتهاء بحجم المؤثرات والمتغيرات التي قد تفاقم الأسباب أو المتغيرات أو كليهما معاً، لكن في الحقيقة تكمن المشكلة بالتركيز على التحديات أكثر من الفرص وهو يجعل الإجراءات ترتكز على الاستجابة أكثر من خلق القيمة والاستمرارية. وأضاف: لا يرتكز النجاح على وجود قادة إداريين بقدر ما يرتكز على توفر الموارد اللازمة للإدارة ومرونة بالتعامل مع الصعوبات وتوفر الأدوات الخاصة لضبط جودة القرارات الإدارية المتخذة، إضافة إلى أن التعامل مع الأزمات يتطلب منهجية مختلفة عما هو متبع, وهذا ما نفتقده لكوننا لا نوفر بالأساس نظماً وسياسات إدارية خاصة بإدارة الأزمات ونفتقد للمرونة بالنظم الإدارية المتوفرة.
دعم القطاع الزراعي
بالتأكيد توجد حلول لكن من الجيد وضع شروط معيارية لكل حل يقدم، أولها إضافة القيمة والتأثير بالمشكلات الموجودة والآخر يتعلق باستمرارية نتائج هذه الحلول لأطول فترة ممكنة.
يقول د.سنجر: إن الحلول ممكنة من خلال الارتكاز على مستويين، أولهما على مستوى الاقتصاد ككل، وأهمها تقليل حساسية الاقتصاد لحجم المتغيرات من خلال قدرة وسرعة إدارة التعامل مع المتغيرات الحاصلة، وكذلك من خلال الدعم اللازم وعلى رأسها القطاع الزراعي وذلك من خلال إعداد خطة لإدارة المخاطر على مستوى الاقتصاد الكلي مع مراعاة وخصوصية كل قطاع.
إنذار مبكر
وختم أنه من الجيد بناء منظومة إنذار مبكر على مستوى الاقتصاد الجزئي، بحيث تنذر مؤشرات هذه المنظومة بضرورة البدء بالعمل على مواجهة أزمات مستقبلية أو متوقعة بدأت تلوح في الأفق وبالتالي ننتقل لمفهوم إدارة الأزمات الاستباقي كبديل عن ردود الأفعال اللاحق مع الأزمات.
شرعية للسوق السوداء
من جانبه الباحث الاقتصادي فاخر القربي يرى أن سورية تعيش حالة من الحصار الاقتصادي نتيجة العقوبات المفروضة عليها إلا أن الأخطاء جعلت من هذه العقوبات شماعة في تعدد أسعار المواد التموينية والبترولية والخبز وحتى القطع الأجنبي وهذا ما أعطى شرعية للسوق السوداء بتسعير تلك المواد واللامبالاة بالتسعيرة المحددة من وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وهو ما نلاحظه “في فوضى الأسعار ” ! مشيراً إلى موضوع إعادة هيكلة الدعم الذي أدى بدوره إلى إشكاليات لأن المساس بثوابت الدعم الاجتماعي للمواطن سوف يؤدي إلى منعكسات على المواطن وهذا ما حذرنا منه مراراً وتكراراً.
وأضاف: النتيجة هي أن المواطن يحصد سلبيات الإجراءات بذريعة مبررة للتجار بسبب تداعيات “الحرب الروسية الأوكرانية” وهذه أحد أهم دلائل نقص الإدارة ، في حين أن الإدارات تتميز بمؤهلاتها العلمية لكنها لا تحمل من الفكر الاقتصادي ما يناسب النهوض بالواقع المعيشي للمواطن .
تشكيل خلية اقتصادية
ويرى أن الحل لترميم ما أمكن هو تشكيل خلية اقتصادية بحالة انعقاد دائم تعمل على دراسة واقع الاحتياجات المحلية وواقع الإنتاج وإمكانية الاستيراد والتصدير وجعل القطع الأجنبي للمستوردات مرتبطاً بالبيانات الجمركية المقدمة من التجار ما يسهم في عملية ضبط الأسعار في الأسواق المحلية، وأيضاً دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بما يضمن انطلاقة سريعة لعجلة الإنتاج المحلي وبما يغطي احتياجات المواطن وإيجاد بيئة مصرفية للصناعيين والحرفيين وخصوصاً في المناطق المتضررة ومنح قروض بتسهيلات من ناحية الضمانات، ما يسهم بتوسيع الرقعة الصناعية والحرفية ويسهم في عودة السكان إلى المناطق المحررة ، بالإضافة إلى دعم القطاع الزراعي وخصوصاً المزروعات التي تؤمن المواد الأولية للصناعات المحلية ومراقبة حالة هذا الدعم لضمان تحقيق غاية الدعم الزراعي.