سورية وعُمان وثنائية العلاقة الأخوية المميزة
ارتفعت في الآونة الأخيرة، وتيرة الحديث العربي -الرسمي- حول عودة سورية إلى الجامعة العربية، وسط هذه الأجواء جاءت زيارة وزير الخارجية العُماني بدر بن حمد البوسعيدي إلى دمشق، حيث التقى الرئيس بشار الأسد، وكان اجتمع أيضاً مع وزير الخارجية والمغتربين الدكتور فيصل المقداد.
وفي لقاءات الوزير العُماني، ومن لحظات الاستقبال الأخوي في المطار كانت واضحة تلك الروح الأخوية والحميمية التي يحملها الوزير الضيف، ومن هذا المنطلق جاء الحديث حول العلاقات المتميزة التي تربط سورية وعُمان ومجالات التعاون الثنائي القائم بين البلدين الشقيقين.
كما أكد الجانبان أهمية مواصلة العمل على مختلف المستويات من أجل تعزيز هذه العلاقات من خلال البناء على ما يجمع البلدين والشعبين من مبادئ ومصالح مشتركة وعقد شراكات في مختلف القطاعات تعود بالنفع على الشعبين السوري والعُماني وشعوب المنطقة العربية.
وطبيعي ان تكون الأوضاع العربية الراهنة، حاضرة في اللقاء، خاصة على ضوء الدور الذي تقوم به عُمان، باعتبارها “واسطة عقد” وتتميز بسياسة متزنة وعقلانية، وهو الأمر الذي أكد عليه الرئيس الأسد بقوله “إن ما ينقصنا كعرب هو وضع أسس لمنهجية العلاقات السياسية وإجراء حوارات عقلانية مبنية على مصالح الشعوب”. أضاف الرئيس الأسد: “التعامل مع المتغيرات في الواقع والمجتمع العربي يتطلب تغيير المقاربة السياسية، والتفكير انطلاقاً من مصالحنا وموقعنا على الساحة الدولية”.
لا شك أن وسائل الإعلام أفردت مساحة واسعة للحديث عن زيارة الوزير البوسعيدي، خاصة أن توقيتها جاء غداة، قمة وزارية عربية في الكويت، ربطها متابعون بمساع لإعادة سورية إلى الجامعة العربية.
بكل الحالات وبصرف النظر عما تلا اجتماع الكويت، فإن ما حفلت به الزيارة والمواقف التي تم التأكيد عليها من جانب مسقط ودمشق جاءت لتؤكد تعزيز دور عُمان كسياسة ونهج ودور متوازن في المنطقة كلها بما هي عليه، والحاجة إلى التحلي بهذا القدر من الهدوء والدبلوماسية في وقت تزداد فيه تعقيدات المشهد على رقعة المنطقة العربية ومحيطها.
ومن هذا المنطلق يمكن قراءة زيارة الوزير العُماني على أنها أحد مؤشرات التغييرات العربية التدريجية التي بدأت تتعاطى مع دمشق باعتبارها نقطة توازن أساسية في المنطقة وفي العلاقات الدولية.
ومادام الحديث عن دور سلطنة عُمان فلابد من القول إنه وخلال 4 عقود على أقل تقدير، كانت عُمان محطة وسطاً ونقطة تلاقي، حيث استطاعت بأناة ودقة نسج سياسة تقوم على محاولة إيجاد أرضيات تقارب وتلاقٍ بين الأشقاء والفرقاء، وتبريد الأخطاء أو احتوائها حيناً، ما جعلها تكرس نفسها كـ”منطقة وسط”.
ليس هذا فحسب فقد حصنت عُمان بيتها الداخلي ومضت عبر سياستين متوازيتين في التحدي الذي ارتضته لنفسها، الأولى هي الاعتدال في السياسة الخارجية، والأخرى هي التسامح مع الحزم عند اللزوم، وقد انعكست تلك السياسة الداخلية الرزينة على طبيعة العلاقات البينية بين أفراد المجتمع ما مكنها أيضاً من سياسة خارجية فاعلة.
وبذلك، استطاع الراحل السلطان قابوس بن سعيد، والسلطان هيثم بن طارق، حفظ بيضة القبان للأمن القومي والمضي في السياسة نفسها متكئين على وضع داخلي متين.
وبالعودة إلى الساسة العُمانية، ففي كل المحطات تؤكد مسقط تمسكها بسياسة ثابتة تجمع وتقرب، ومن هذا المنطلق لم تنقطع العلاقات السورية- العُمانية واستمر التنسيق والتشاور والزيارات المتبادلة لمسؤولي البلدين الشقيقين وسط تأكيد مسقط الدائم على مواقفها الثابتة تجاه سورية، واعتبار سورية ركناً أساسياً في العالم العربي وسياساتها ومواقفها القوية والشجاعة تجعل التعويل عليها كبيراً في مواجهة التحديات وهو ما تقدره سورية عالياً وتعلنه على الملأ عندما يتعلق الأمر بإعلان كلمة حق. فمسقط التي اعتمدت سياسة مستقلة وحيادية وعكست الصوت العقلاني المتزن في المنطقة تتبوأ اليوم موقع الصدارة بين شقيقاتها في كونها نقطة التقاء ووصل يمكن الركون إليها وتالياً البناء على هذا الموقع لتجاوز ما تمر به منطقتنا.