طرفٌ واحد
لا تنظر واشنطن إلى الواقع الإنساني المتردّي الذي يعيشه ويعانيه أهالي الحسكة ومنطقة الجزيرة السورية على نحوٍ عام، ويحذو حذوها العديد من المنظمات الدولية، فهذا الأمر ليس ذا أهمية لهم، ولا يعنيهم، فالولايات المتحدة هي من أشعلت النار هناك كما في كل المنطقة، وهي من يدعم ميليشيا «قسد» الانفصالية، ويمدّها بأسباب النمو والتغوّل، وهي من زرعت تنظيم «داعش» الإرهابي هناك وفي السجون لحين استخدامه وإعادة تدويره، أما فيما يخص حقوق الإنسان فحدّث ولا حرج، فهذه سقطة إضافية لواشنطن تضاف إلى سقطاتها الكثيرة في هذا السياق.
لماذا لا تلقي واشنطن بالاً للمأساة الإنسانية في الحسكة؟ لأنها ليست ورقةً تستخدمها ضد الدولة السورية، وتتاجر بها، فإرهابها هو المتسبّب بها، بل إن الأحداث في الحسكة مُعدة ومدبّرة وفق سيناريو محكم هدفه إحداث تغيير ديمغرافي في المنطقة، وديمومة الوجود الأمريكي فيها اعتماداً على الفوضى المُثارة، إضافة إلى التدمير الممنهج للمدينة تماماً، كما سوّى الاحتلال الأمريكي من قبل مدينة الرقة بالأرض، كذلك استهداف كل مقومات الحياة حيث تبقى المنطقة في فوضى الإرهاب، وملاحقته والتخلّص منه.
ما جرى ويجري في سجن الثانوية الصناعية في الحسكة ليس معركةً بين طرفين أو ثلاثة بل هو في الحقيقة معركة لها طرف واحد يتصف بالإرهاب، تستهدف أمن واستقرار السكان الآمنين، وعلى نحوٍ أدق تستهدف أمن واستقرار الدولة السورية لإطالة أمد الحرب عليها حتى تحقيق مخططاتهم التدميرية المبيّتة ضدها.
إن استدارة واشنطن نحو شرق آسيا لمواجهة روسيا والصين، وما يبدو من عدم اهتمام أمريكي بمنطقتنا كما السابق، أمر غير حقيقي بالمعنى المطلق، صحيح أن ثمة مواجهة غير مباشرة بين تلك الأطراف في غير ساحة، وواشنطن تصبّ تركيزها على «النَيل» من موسكو وبكين، لكن ذلك لا يعني مُطلقاً التنازل عن وجودها في المنطقة، وأحداث الحسكة التي تزامنت مع أحداث إرهابية في العراق دليل بيّن على ذلك، في توجّه أمريكي واضح لإحياء التنظيمات الإرهابية رغم فشلها سابقاً في تحقيق مرامي واشنطن الخبيثة والتخريبية من استخدامها، لكن اليوم، وإن لم تنجح تلك المرامي فإنها على الأقل ستطيل عمر الفوضى، وما يرافقها من تخريب وتدمير وقتل، وتأخير تحقيق التنمية.
لم تعد واشنطن بحاجة لأن تسوّغ جرائمها، فهي تُدمّر، وتخرّب، وتقتل على مرأى العالم ومسمعه، وتخلق الفرص لذلك، لكن ما نأسف له وفي الوقت ذاته اعتدناه هو صمت المجتمع الدولي الذي يصل عند بعضهم حدّ التواطؤ.